للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّ تَصْدِيقَه ينْصَرِفُ إلى ما قالَه، بدليلِ ما لو قال: لي عليك ألفٌ. فقال: صَدقْتَ. كان إقْرارًا بها. ولو قال: أَعْطنِى ثَوْبِى هذا. فقال: صَدَقْتَ. كان إقْرارًا. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا يكونُ قاذِفًا. وهو قولُ زُفَرَ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يُرِيدَ تَصْديقَه (١٨) في غيرِ القَذْفِ. ولو قال: أخْبَرَنِى فلانٌ أنَّك زَنَيْتَ. لم يكُنْ قاذفًا، سَواءٌ كَذَّبَه المُخَبَرُ عنه أو صدَّقَه. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو الخَطَّابِ: فيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يكونُ قاذِفًا إذا كَذَّبَه الآخَرُ. وبه قال عَطاءٌ، ومالِكٌ. ونحوُه عن الزُّهْرِىِّ؛ لأنَّه أخْبَرَ بِزِناهُ. ولَنا، أنَّه إنَّما أخْبَرَ أنَّه قد قُذِفَ، فلم يكُنْ قَذْفًا، كما لو شَهِدَ على رَجُلٍ أنَّه (١٩) قَذَفَ رجلًا.

فصل: وإن قال: أنتَ أَزْنَى من فُلانٍ، أو أزْنَى النَّاسِ. فهو قاذِفٌ له. وهل يكونُ قاذِفًا للثانى؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يكونُ قاذفًا له. اخْتارَه القاضِى؛ لأنَّه أضافَ الزِّنَى إليهما، وجعلَ أحدَهما فيه أبْلغَ من الآخَرِ، فإنَّ لَفْظَةَ أفعلَ للتَّفْضِيلِ، فيقْتَضِى اشْتراكَ المذكورَيْنِ في أصلِ الفِعْلِ، وتَفْضِيلَ أحدِهما على الآخَرِ فيه، كقولِه: أجودُ من حاتمٍ. والثانى، يكونُ قاذفًا للمُخاطَبِ خاصَّةً؛ لأنَّ لفظَة [أفْعلَ قد] (٢٠) تستعملُ للمُنْفَرِدِ بالفعلِ، كقولِ اللَّه تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} (٢١). وقال تعالى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} (٢٢). وقال لُوطٌ: {بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (٢٣). أي مِن أدْبارِ الرجالِ، ولا طَهارةَ فيهم. وقال الشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: ليس بقَذْفٍ للأَوَّلِ ولا للثانى، إلَّا أنْ يُرِيدَ به القَذْفَ. ولَنا، أنَّ مَوْضوعَ اللَّفظِ يقْتَضِى ما ذكَرْناه، فحُمِلَ عليه، كما لو قال: أنتَ زَانٍ.


(١٨) في ب، م: "بتصديقه".
(١٩) في ب، م زيادة: "قد".
(٢٠) سقط من: الأصل. وسقط: "قد" من: ب.
(٢١) سورة يونس ٣٥.
(٢٢) سورة الأنعام ٨١.
(٢٣) سورة هود ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>