للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيمُ، في الذي يكونُ به الحُبُونُ (١٧): يُصَلِّي، ولا يَغْسِلُه، فإذا بَرَأَ غَسَلَه. وقال عُرْوَةُ، ومُحَمَّدُ بنُ كُناسَةَ (١٨)، مثلَ ذلك. فعلى هذا يُعْفَى منه عن أكثر مما يُعْفَى عن مِثْلِه من الدَّمِ؛ لأنه لا يَفْحُشُ منه إلَّا أكثرُ من الدَّمِ، ولأنَّ هذا لا نَصَّ فيه، وإنما ثَبَتَتِ النَّجَاسَةُ فيه لأنَّه مُسْتَحِيلٌ من الدَّمِ إلى حالٍ مُسْتَقْذَرَةٍ.

فصل: ولا فَرْقَ بين كَوْنِ الدَّمِ مُجْتَمِعًا أو مُتَفَرِّقًا، بحيثُ إذا جُمِعَ بَلَغَ هذا القَدْرَ، ولو كانت النَّجاسةُ في شيءٍ صَفِيقٍ (١٩)، قد نَفَذَتْ من الجَانِبَيْنِ، فاتَّصَلَ ظَاهِرُه بِبَاطِنِه، فهو نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ. وإن لم يَتَّصِلا، بل كان بَيْنَهُما شيءٌ لم يُصِبْهُ الدَّمُ، فهما نَجاستانِ، إذا بَلَغَا لو (٢٠) جُمِعَا قَدْرًا لا يُعْفَى عنه لم يُعْفَ عنهما، كما لو كانا في جَانِبَيِ الثَّوْبِ.

فصل: ويُعْفَى عن يَسِيرِ دَمِ الحَيْضِ؛ لما ذكرْنا من حَدِيثِ عَائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، وعن سَائِرِ دِماءِ الحَيَوانَاتِ الطَّاهِرَةِ. فأمَّا دَمُ الكَلْبِ والخِنْزِيرِ فلا يُعْفَى عن يَسِيرِه؛ لأنَّ رُطُوبَاتِه الطَّاهِرَةَ من غيرِه لا يُعْفَى عن شيءٍ منها، فدَمُه أوْلَى، ولأنَّه أصابَ جِسْمَ الكَلْبِ فلم يُعْفَ عنه، كالماءِ إذا أصابَه. وهكذا كُلُّ دَمٍ أصابَ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عنها، لم يُعْفَ عن شيءٍ منه لذلك.

فصل: ودَمُ ما لا نَفْسَ له سَائِلَةٌ، كالبَقِّ (٢١)، والبَرَاغِيثِ، والذُّبَابِ، ونَحْوِه، فيه رِوَايتانِ؛ إحْدَاهما، أنَّه طَاهِرٌ. وممن رَخَّصَ في دَمِ البَرَاغِيثِ عَطَاءٌ، وطاوُسٌ، والحسنُ، والشَّعْبِىُّ، والحَاكِمُ، وحَبيبُ بنُ أبى ثابِتٍ (٢٢)، وحَمَّادٌ، والشَّافِعِيُّ، وإسْحَاقُ؛ لأنَّه لوكان نَجِسًا لَنَجُسَ الماءُ اليَسِيرُ إذا مات فيه، فإنَّه إذا مكثَ في الماءِ لا


(١٧) الحِبْن، بالكسر: خراج كالدمل، وما يعترى في الجسد فيقيح ويَرِمُ.
(١٨) في أ، م: "كنانة" تحريف. وتقدم.
(١٩) في الأصل: "ضيق".
(٢٠) في الأصل: "أو".
(٢١) البقة: دويبة مفرطحة حمراء منتنة، تغتذى بدم الإنسان.
(٢٢) أبو يحيى حبيب بن أبي ثابت، من فقهاء التابعين بالكوفة، توفى سنة سبع عشرة ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>