للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجّةَ لهم فيه؛ فإنَّ المُدّةَ إنما تُضْرَبُ له مع اعْتِرافِه، وطَلَبِ المرأةِ ذلك، ولم يُوجَدْ واحدٌ منهما. وقد رُوِىَ أَنَّ الرجلَ أنْكَرَ ذلك، وقال: إنِّى لأعْرُكُها عَرْكَ الأدِيمِ. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: وقد صَحَّ أَنَّ ذلك كان بعدَ طَلَاقِه، فلا معنى لِضَرْبِ المُدَّةِ. وصَحَّحَ ذلك قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تُرِيدِينَ أن تَرْجِعِى إلى رِفَاعَةَ". ولو كان قبلَ طَلَاقِه لَما كان ذلك إليها. وقيل: إنها ذَكَرَتْ ضَعْفَه، وشَبَّهَتْه بهُدْبةِ الثَّوْبِ مُبالغةً، ولذلك قال النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ" والعاجِزُ عن الوَطْءِ لا يَحْصُلُ منه ذلك.

١١٨٧ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا، أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْها فِيهَا، خُيِّرَتْ فِى الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ، فإِنِ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، كَانَ ذلِكَ فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ)

وجملةُ ذلك أَنَّ المرأةَ إذا ادَّعَتْ عَجْزَ زَوْجِها عن وَطْئِها لِعُنَّةٍ، سُئِلَ عن ذلك، فإن أنْكَرَ والمرأةُ عَذْراءُ، فالقولُ قولُها، وإن كانت ثَيِّبًا، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه. فى ظاهرِ المَذْهبِ؛ لأنَّ هذا أمْرٌ (١) لا يُعْلَمُ إِلَّا من جِهَتِه، والأَصْلُ السَّلامةُ. وقال القاضى: هل يُسْتَحْلَفُ أو لا؟ على وَجْهَيْنِ، بناءً على دَعْوَى الطَّلاقِ. فإن أقَرَّ بالعَجْزٍ، أو ثَبَتَ ببَيِّنةٍ على إقْرارِه به، أو أنْكَرَ وطَلَبَتْ يَمِينَه فنَكَلَ، ثَبَتَ عَجْزُه، ويُؤَجَّلُ سَنَةً. فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وعن الحارِث بن رَبِيعةَ (٢)، أنَّه أجَّلَ رَجُلًا عَشرةَ أشْهُرٍ. ولَنا، قولُ مَنْ سَمَّيْنا من الصَّحابةِ، ولأنَّ هذا العَجْزَ قد يكونُ لِعُنَّةٍ، وقد يكون لِمَرَضٍ، فضُرِبَتْ له سَنةً لِتَمُرَّ به الفُصُولُ الأرْبعةُ، فإن كان من يُبْسٍ زال فى فَصْلِ الرُّطُوبةِ، وإن كان من رُطُوبةٍ زال فى فَصْلِ الحَرارةِ، وإن كان من انْحِرافِ مِزَاجٍ زال فى فَصْلِ الاعْتِدالِ. فإذا مَضَتِ الفصولُ الأربعةُ، واخْتَلَفَتْ عليه الأهْوِيةُ فلم تَزُلْ، عُلِمَ أنَّه خِلْقةٌ. وحُكِىَ عن


(١) سقط من: الأصل.
(٢) لعله الحارث بن أبى ربيعة بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة المخزومى، عامل ابن الزبير على البصرة، ويلقب القباع. حدث عن عمر وعائشة وأم سلمة ومعاوية. انظر: أسد الغابة ١/ ٣٩١، ٣٩٢، سير أعلام النبلاء ٤/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>