للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخافُ فَوْتُه، وهو مَبْنىٌّ على الضِّيقِ لحاجَتِه إليه، ولأنَّ القِصاصَ قد يجبُ في يَدٍ، ويجبُ في يَدَيْنِ وأكثرَ في حالةٍ واحِدَةٍ، فلهذا جازَ أن نُوالِىَ بينَ قِصَاصَيْنَ، ويُخالِف الحَدَّ (١٩)؛ لأنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لها حَدٌّ مُقَدَّرٌ، لا تجوزُ الزِّيادَةُ عليه، فإذا والَى بين حَدَّيْن، صار كالزِّيادَةِ على الْحَدِّ، فلم يَجُزْ. وأمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، فإنَّ قَطْعَ اليدِ والرِّجْلِ حَدٌّ واحِدٌ، بخلافِ ما نحنُ فيه. وأمَّا تأخيرُ الحَدِّ للمَرَضِ (٢٠)، ففيه مَنْعٌ، وإن سَلَّمْنا، فإنَّ الجَلْدَ يُمْكِنُ تخْفِيفُه، فيَأْتِى به في المَرَضِ على وَجْهٍ يُؤْمَنُ معه التَّلَفُ، والقَطْعُ لا يُمْكِنُ تخْفِيفُه.

فصل: وإذا سَرَقَ مَرَّاتٍ قبلَ القَطْعِ، أجْزَأَ قَطْعٌ واحِدٌ عن جميعِها، وتَداخلَتْ حدودُها؛ لأنَّه حَدٌّ من حُدودِ اللَّه تعالى، فإذا اجتمعَتْ أسبابُه تَداخلَ، كحَدِّ الزِّنَى. وذكر القاضي فيما إذا سَرَقَ من جماعَةٍ، وجاءوا مُتَفرِّقِينَ، روايةً أخرى، أنَّها لا تتداخَلُ. ولعلَّه يقِيسُ ذلك على حَدِّ القذفِ، والصَّحِيحُ أنَّها تَتداخَلُ، لأنَّ القَطْعَ خالِصُ حَقِّ اللهِ تعالى فتَتداخَلُ، كحَدِّ الزِّنِى والشُّرْبِ، وفارَقَ حَدَّ القَذْفِ، فإنَّه حَقٌّ لآدَمِىٍّ (٢١)، ولهذا يتوقَّفُ على المُطالَبَةِ باسْتيفائِه، ويسْقطُ بالعَفْو عنه. فأمَّا إن سَرَقَ فقُطِعَ، ثم سَرَقَ ثانيًا، قُطِعَ ثانيًا، سَواءٌ سَرَقَ مِن الذي (٢٢) سَرَقَ منه أوَّلًا أو من غيرِه، وسَواءٌ سَرَقَ تلك العَيْنَ التي قُطِعَ بها أو غيرَها. وبهذا قالَ الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ مرَّةً، لم يُقْطَعْ يسَرِقَتِها مَرَّةً ثانيةً، إلَّا أن يكونَ قد قُطِعَ بِسَرِقَةِ غَزْلٍ، ثم (٢٢) سَرَقَه مَنْسُوجًا، أو قُطِعَ بِسَرِقَةِ رُطَبٍ، ثم سَرَقَه تَمْرًا. واحتجَّ بأنَّ هذا يتعلَّقُ اسْتِيفَاؤُه بمُطالَبَةِ آدَمِىٍّ، فإذا تكرَّرَ سَبَبُه في العَيْنِ الواحِدَةِ، لم يتكرَّرْ، كحَدِّ القَذْفِ. ولَنا، أنَّه حَدٌّ يَجِبُ بفِعْلٍ في عَيْنٍ، فتَكَرُّرُه في عَيْنٍ واحِدَةٍ كتَكَرُّرِه في


(١٩) سقط من: م.
(٢٠) في ب، م: "للمريض".
(٢١) في م: "الآدمى".
(٢٢) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>