للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي حنيفةَ. وهذا تَوْقِيتٌ بغيرِ تَوْقِيفٍ، فلا يجوزُ، مع أنَّه في الظاهِرِ يُفْضِى إلى تَغيُّرِه، ونَتَنِه، وأذَى المسلمين برائحتِه ونَظرِه، ويَمْنَعُ تَغْسِيلَه وتكْفينَه ودَفْنَه، فلا يجوزُ بغيرِ دليلٍ. الثالث، في وُجوبِه، وهذا واجبٌ حَتْمٌ في حَقِّ من قَتَلَ وأخذَ المالَ، لا يسْقُطُ بعَفْوٍ ولا غيرِه. وقال أصحابُ الرَّأْىِ: إن شاء الإِمامُ صَلَبَ، وإن شاءَ لم يَصْلِبْ. ولَنا، حديثُ ابنِ عباسٍ، [أنَّ جبريلَ] (٢٢) نَزَلَ بأنَّ من قَتَلَ وأَخَذَ المالَ صُلِبَ. ولأنَّه شُرِعَ حَدًّا، فلم يُتَخَيَّرْ بين فِعْلِه وَتَرْكِه، كالقْتلِ وسائرِ الحدودِ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه إذا اشْتُهِرَ أُنْزِلَ، ودُفِعَ إلى أهلِه، فَيُغَسَّلُ، ويُكَفَّنُ، ويُصَلَّى عليه، ويُدْفَنُ.

فصل: وإن ماتَ قبلَ قَتْلِه، لم يُصْلَبْ؛ لأنَّ الصَّلْبَ من تَمَام الحَدِّ، وقد فاتَ الحَدُّ بمَوْتِه، فيسْقُطُ ما هو من تَتِمَّتِه. وإن قَتَلَ في المُحارَبَةِ بِمُثَقَّلٍ قُتِلَ، كما لو قَتَلَ بمُحَدَّدٍ؛ لأنَّهما سَواءٌ في وجوبِ القِصَاصِ بهما. وإن قتلَ بآلةٍ لا يجبُ القِصَاصُ بالقتلِ بها، كالسَّوطِ والعصا والحَجرِ الصغيرِ، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّهم يُقْتَلُون أيضًا؛ لأنَّهم دَخلُوا في العُمومِ. الحال الثاني، قَتَلُوا ولم يأخُذُوا المال، فإنَّهم يُقْتَلُون ولا يُصْلَبُون. وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى، أنَّهم يُصْلَبونَ؛ لأَنَّهم مُحارِبُون يجبُ قَتْلُهم، فيُصْلَبُون، كالَّذينَ أخذُوا المالَ. والأُولَى أَصَحُّ؛ لأنَّ الخبرَ المَرْوِيَّ فيهم قال فيه: "وَمَنْ قَتَلَ ولم يَأْخُذِ الْمَالَ، قُتِلَ". ولم يذْكُرْ صَلْبًا, ولأنَّ جِنَايتَهم بأخْذِ المالِ مع القتلِ تَزيدُ على الجنايةِ بالقتل وحدَه، فيجبُ أن تكونَ عُقوبتُهم أغْلَظَ، ولو شُرِعَ الصَّلْبُ ههُنا لَاسْتَويَا، والحُكمُ في تَحَتُّمِ القتلِ وكَوْنِه حَدًّا ههُنا، كالحُكْمِ فيه إذا قَتَلَ وأَخَذَ المالَ.

فصل: وإذا جَرَحَ المُحاربُ جُرْحًا في مثلِه القِصَاصُ (٢٣)، فهل يَتَحَتَّمُ فيه القِصاصُ؟ على رِوَايتَيْن؛ إحداهما، لا يتحتَّمُ؛ لأنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بشَرْعِ الحَدِّ في


(٢٢) سقط من: ب.
(٢٣) في م: "قصاص".

<<  <  ج: ص:  >  >>