للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُحْصِنْتَ؟ ". قال: نعم. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجُمُوُه". مُتَّفَقٌ عليه (٤). ولو وَجَبَ الحَدُّ بمَرَّةٍ، لم يُعْرِضْ عنه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّه لا يجوزُ تَرْكُ حَدٍّ وَجَبَ للهِ تعالى. ورَوَى نُعَيْمُ بنُ هَزَّالٍ حديثَه، وفيه: حتى قالَها أربعَ مَرَّاتٍ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكَ قَدْ قُلْتَها أربعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟ ". قال: بفُلانةَ، روَاه أبو داودَ (٥). وهذا تعْليلٌ منه يَدُلُّ على أن إقْرارَ الأربَعِ هي المُوجبَةُ. ورَوَى أبو بَرْزَةَ الأسْلَمِىُّ، أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ، قال له عندَ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنْ أقْرَرْتَ أربعًا، رَجَمَكَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٦). وهذا يَدُلُّ من وَجْهَين؛ أحدُهما، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقَرَّه على هذا، ولم يُنْكِرْه، فكانَ بمَنْزلةِ قَوْلِه؛ لأنَّه لا يُقِرُّ على الخَطَإِ. الثاني، أنَّه قد عَلِمَ هذا من حُكْمِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لولا ذلك ما تَجاسَرَ على قَوْلِه بين يدَيْه. فأمَّا أحاديثُهم، فإنَّ الاعْترافَ لفظُ المصدَرِ، يقعُ على القليلِ والكثيرِ، وحديثُنا يُفَسِّرُه، ويبيِّنُ أن الاعْترافَ الذي يَثْبُتُ به كان أرْبعًا.

فصل: وسواءٌ كان في مجلسٍ واحدٍ، أو مجالسَ مُتَفرِّقةٍ. قال الأثْرَمُ: سمعتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْأَلُ عن الزَّانِى، يُرَدَّدُ أربعَ مَرَّاتٍ؟ قال: نعم، على حديثِ ماعِزٍ، هو أحْوَطُ. قلتُ له: في مجلسٍ واحدٍ، أو في مجالسَ شَتَّى؟ قال: أمَّا الأحاديثُ، فليستْ تَدُلُّ إلَّا على مجلسٍ واحدٍ، إلَّا ذاك الشيخَ بَشِيرَ بنَ مُهاجِرٍ، عن عبدِ اللَّه بن بُرَيْدةَ، عن أبيه، وذاك عندى مُنْكَرُ الحديثِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَثْبُتُ إلَّا بأرْبَعِ إقْراراتٍ، في أرْبَعة مجالسَ؛ لأنَّ ماعِزًا أقَرَّ في أربَعة مَجالسَ. ولَنا، أنَّ الحديثَ الصحيحَ إنَّما يَدُلُّ على أنَّه


(٤) أخرجه البخاري، في: باب الطلاق في الإِغلاق، من كتاب الطلاق، وفى: باب سؤال الإِمام المقر: هل أحصنت؟ ، من كتاب الحدود، وفى: باب من حكم في المسجد. . ., من كتاب الأحكام. صحيح البخاري ٧/ ٥٨، ٨/ ٢٠٧، ٩/ ٨٥، ٨٦. ومسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣١٨.
كما أخرجه أبو داود، في: باب رجم ماعز بن مالك، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٥٩. والترمذي، في: باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٠١، ٢٠٢. وابن ماجه، في: باب الرجم، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٥٤. والإِمام أحمد في: المسند ٢/ ٤٥٣.
(٥) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١٢.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٨، وانظر نصب الراية ٤/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>