للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِصَاصَ. وحكى ذلك [عن مالكٍ] (٤)؛ لأنَّه شارَكَ في القَتْلِ عَمْدًا عُدْوانًا، فوَجَبَ عليه القِصاصُ، كشَرِيكِ العامِدِ، ولأنَّ مُؤاخَذَتَه بفِعْلِه، وفِعْلُه عَمْدٌ وعُدْوانٌ (٥) لا عُذْرَ له فيه. ولَنا، أنَّه قَتْلٌ لم يتَمَحَّضْ عَمْدًا، فلم يُوجِبِ القِصَاصَ، كشِبْهِ العَمْدِ، وكما لو قَتَلَه واحدٌ بجُرْحَيْنِ عَمْدًا وخَطَأً، ولأنَّ كلَّ واحدٍ من الشَّرِيكَيْنِ مُباشِرٌ ومُتَسَبِّبٌ (٦)، فإذا كانا عامِدَيْنِ، فكلُّ واحدٍ مُتَسَبِّبٌ إلى فِعْلٍ مُوجِبٍ للقِصاصِ، فقام فِعْلُ شَرِيكهِ مَقامَ فِعْلِه لِتَسَبُّبِه إليه، وههُنا إذا أقَمْنا المُخْطِئَ مُقامَ (٧) العامدِ، صار كأنَّه قَتَلَه بعَمْدٍ وخَطإٍ، وهذا غيرُ مُوجِبٍ.

فصل: وهل يجبُ القِصاصُ على شَرِيكِ نَفْسِه وشَريكِ السَّبُعِ؟ فيه وَجْهان، ذكَرهما أبو عبدِ اللَّه بنُ حامدٍ، وصورةُ ذلك، أن يَجْرَحَه سَبُعٌ، ويَجْرَحَه إنسانٌ عَمْدًا، إمَّا قبلَ ذلك أو بعدَه، فيموتَ منهما، أو يجرحَ نَفْسَه عمدًا، ثم يجْرَحَه (٨) غيرُه عمدًا، فيموتَ منهما، فهل يجبُ على المُشارِكِ له قِصاصٌ؟ فيه وَجْهان. واخْتلَف (٩) عن الشافعيِّ فيه. وقال أصْحابُ الرَّأْيِ: لا قِصاصَ عليه؛ لأنَّه شارَكَ مَنْ لا يجبُ القِصاصُ عليه، فلم يَلْزَمْه قِصاصٌ، كشَرِيكِ الخاطئِ، ولأنَّه قَتْلٌ تَرَكّبَ من مُوجِبٍ وغيرِ مُوجِبٍ، فلم يُوجبْ، كالقَتْلِ الحاصِلِ من عَمْدٍ وخَطَإٍ، ولأنَّه إذا لم يجبْ على شَرِيكِ الخاطئِ وفِعْلُه مَضْمُونٌ، فَلأَنْ لا يَجِبَ على شَرِيكِ مَنْ لا يُضْمَنُ فِعْلُه أَوْلَى. والوَجْهُ الثاني، عليه القِصاصُ. وهو قولُ أبي بكرٍ. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا جَرَحَه رَجُلٌ، ثم جَرَحَ الرَّجُلُ نَفْسَه، فمات، فعلى شَرِيكِه القِصاصُ؛ لأنَّه قَتْلٌ عَمْدٌ مُتَمَحِّضٌ، فوَجَبَ القِصاصُ على الشَّرِيكِ فيه، كشَرِيكِ الأبِ، فأمَّا إن جَرَحَ الرَّجُلُ


(٤) سقط من: ب، م.
(٥) سقطت الواو من: الأصل.
(٦) في ب: "ويتسبب".
(٧) في الأصل زيادة: "فعل".
(٨) في م: "يخرجه".
(٩) أي النقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>