للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنها الحَجْرُ، كالصَّغِيرَةِ. ولَنا، عُمُومُ قولِه تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (٢). ولأنَّها يِتَيمٌ بَلَغَ وأُونِسَ منه الرُّشْدُ؛ فيُدْفَعُ إليه مَالُه كالرَّجُلِ، ولأنَّها بَالِغَةٌ رَشِيدَةٌ، فجَازَ لها التَّصَرُّفُ فى مَالِها، كالَّتى دَخَلَ بها الزَّوْجُ، وحَديثُ عمرَ إنْ صَحَّ، فلم يُعْلَمْ انْتِشَارُه فى الصَّحَابَةِ، ولا يُتْرَكُ به الكتَابُ والقِياسُ، على أنَّ حَدِيثَ عمرَ مُخْتَصٌّ بِمَنْعِ العَطِيَّةِ، فلا يَلْزَمُ منه المَنْعُ من تَسْلِيمِ مَالِهَا إليها، ومَنْعُها من سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، ومَالِكٌ لم يَعْمَلْ به، وإنَّما اعْتَمَدَ على إجْبَارِ الأبِ لها على النِّكاحِ، ولنا أنْ نَمْنَعَ ذلك، وإنْ سَلَّمْنَاهُ، فإنَّما أَجْبَرَها على النِّكاحِ لأنَّ اخْتِيارَها لِلنِّكاحِ ومَصَالِحِه لا يُعْلَمُ إلَّا بِمُباشَرَتِه، والبَيْعُ والشِّرَاءُ والمُعامَلاتُ مُمْكِنَةٌ قَبْلَ النِّكاحِ، وعلى هذه الرِّوايَةِ، إذا لم تَتَزَوَّجْ أَصْلًا احْتَمَلَ أنْ يَدُومَ الحَجْرُ عليها، عَمَلًا بِعُمُومِ حَدِيثِ عمرَ، ولأنَّه لم يُوجَدْ شَرْطُ دَفْعِ مَالِهَا إليها، فلم يَجُزْ دَفْعُه إليها، كما لو لم تَرْشُدْ. وقال القاضِى: عِنْدِى أنَّه يُدْفَعُ إليها مَالُها إذا عَنَسَتْ وبَرَزَتْ لِلرِّجَالِ، يَعْنِى كَبِرَتْ.

فصل: وظَاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ للمرْأةِ الرَّشِيدَةِ التَّصَرُّفَ فى مَالِها كُلُّه، بالتَّبَرُّعِ، والمُعاوَضَةِ. وهذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، والشَّافِعِيِّ، وابن المُنْذِر. وعن أحمدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، ليس لها أنْ تَتَصَرَّفَ فى مَالِها بِزِيَادَةٍ على الثُّلُثِ بغير عِوَضٍ، إلَّا بإِذْنِ زَوْجِهَا. وبه قال مَالِكٌ. وحُكِىَ عنه في امرأةٍ حَلَفَتْ أن تَعْتِقَ جَارِيَةً لَهَا (٣) ليس لها غَيْرُها، فَحنِثَتْ، ولها زَوْجٌ، فرَدَّ ذلك عليها زَوْجُها، قال: له أن يَرُدَّ عليها، وليس لها عِتْقٌ؛ لما رُوِىَ أنَّ امْرأةَ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحُلِىٍّ لها، فقال لها النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ عَطِيَّةٌ حتَّى يَأْذَنَ زَوْجُها، فهل اسْتَأْذَنْتِ كَعْبًا؟ ". فقالت: نعم. فبَعَثَ رسولُ اللَّه


(٢) سورة النِّساء ٦.
(٣) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>