للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (٤٩). ورَوَى عمرو بنُ شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ عن الثَّمَرِ المُعلَّقِ، فذكرَ الحديثَ، ثم قال: "وَمَنْ سَرَقَ مِنْه شَيْئًا بعدَ أنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغ ثَمَنَ المِجَنِّ، فَفِيهِ القَطْعُ". روَاه أبو دَاودَ، وغيرُه (٥٠). ورُوِىَ أنَّ عثمانَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أُتِىَ برَجُلٍ قَدْ سَرَقَ أُتْرُجَّةً، فَأَمَرَ بها عثمانُ فأُقيمَتْ، فبلَغتْ قيمتُها رُبْعَ دينارٍ، فأمرَ به عثمانُ فَقُطِعَ. رواه سعيدٌ (٥١). ولأنَّ هذا مالٌ يُتَمَوَّلُ عادةً (٥٢)، ويُرْغَبُ فيه، فيُقْطَعُ سارقُه إذا اجْتَمعتِ الشُّروطُ، كالمُجفَّفِ، ولأنَّ ما وجبَ القَطْعُ في مَعْمُولِه، وَجَبَ فيه قبلَ العملِ، كالذَّهَبِ، والفِضَّةِ. وحديثُهم أرادَ به الثمَرَ (٥٣) المُعَلَّقَ؛ بدليلِ حَدِيثِنا، فإنَّه مُفَسِّرٌ له. وتَشْبيهُهُ بغيرِ المُحْرَزِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ غيرَ المُحْرَزِ مُضَيَّعٌ، وهذا مَحْفوظٌ، ولهذا افْتَرقَ سائِرُ الأموالِ بالحِرْزِ وعدَمِه. وقولُهم: يُوجَدُ مُبَاحًا في دارِ الإِسلامِ. يَنْتَقِضُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والحَدِيدِ، والنُّحَاسِ، وسائرِ المعادن. والتُّرابُ قد سبقَ القولُ فيه.

فصل: فإن سَرَقَ مُصْحَفًا، فقال أبو بكرٍ، والقاضى: لا قَطْعَ فيه. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ المقصودَ منه ما فيه من كلامِ اللهِ تعالى، وهو مِمَّا لا يجوزُ أخذُ العِوَضِ عنه. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ وُجُوبَ قَطْعِه، وقال: هو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، فإنَّه سُئِلَ عَمَّن سَرَقَ كِتابًا فيه عِلْمٌ ليَنْظُرَ فيه، فقال: كُلُّ ما بلغَتْ قيمتُه ثلاثَةَ دَرَاهمَ فيه قَطْعٌ (٥٤). وهذا قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لعُمومِ الآيةِ في كُلِّ سارِقِ، ولأنَّه مُتَقَوَّمٌ،


(٤٩) سورة المائدة ٣٨.
(٥٠) أخرجه أبو داود، في: باب ما لا قطع فيه، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٤٩. والنسائي، في: باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين، من كتاب قطع السارق. المجتبى ٨/ ٧٨، ٧٩. وابن ماجه، في: باب من سرق من الحرز، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٥، ٨٦٦.
(٥١) تقدم تخريجه عن غير سعيد في صفحة ٤٢٠.
(٥٢) في ب، م: "في العادة".
(٥٣) في ب، م: "النمو" تحريف.
(٥٤) في م: "القطع".

<<  <  ج: ص:  >  >>