للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعِه، كالصُّبْرَةِ، وكما لو كان فى وِعاءٍ، فإنَّ بعضَه يكونُ على بَعْضٍ، فلا يُشاهَدُ إلَّا ظاهِرُه، والعَسَلُ يَدْخُلُ فى البَيْعِ تَبَعًا، فلا يَضُرُّ جَهالَتُه، كأساساتِ الحِيطانِ. فإنْ لم يُمكن مُشاهَدَةُ النَّحْلِ؛ لكَوْنِه مَسْتُورًا بأقْراصِه، ولم يُعْرَفْ، لم يَجُزْ بَيْعُه لِجَهالَتِه.

فصل: ذَكَرَ الخِرَقِىُّ، أنَّ التِّرْياقَ لا يُؤْكَلُ؛ لأنَّه يَقَعُ فيه لُحُومُ الحَيَّاتِ، فَعَلى هذا، لا يجوزُ بَيْعُه؛ لأنَّ نَفْعَهُ إنَّما يَحْصُلُ بالأكْلِ، وهو مُحَرَّمٌ، فخَلَا من نَفْعٍ مُباحٍ، فلم يَجُزْ بَيْعُه، كالمَيْتَةِ، ولا يجوزُ التَّداوِى به، ولا بِسُمِّ الأفاعِى. فأمَّا السُّمُّ مِن الحَشائِشِ والنَّباتِ، فإن كان لا يُنْتَفَعُ به، أو كان يَقْتُلُ قَلِيلُه، لم يَجُزْ بَيْعُه؛ لِعَدَمِ نَفْعِه، وإن انْتُفِعَ به، وأمْكَنَ التَّدَاوِى بِيَسِيرِه، كالسَّقَمُونْيَا، جازَ بَيْعُه؛ لأنَّه طاهِرٌ مُنْتَفَعٌ به، فأشْبَه بَقِيَّةَ المَأْكُولاتِ.

فصل: ولا يجوزُ بَيْعُ جِلْدِ المَيْتَةِ، قبلَ الدَّبْغِ، قولًا واحِدًا، قاله ابنُ أبى موسى. وفى بَيْعِه بعدَ الدَّبْغِ عنه خِلافٌ. وقد رَوَى حَرْبٌ عن أحمدَ، أنَّه قال: إنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ (١٣). وأمَّا غيرُ ذلك، نحوُ رِيشِ الطَّيْرِ التى لها مِخْلَبٌ، أو بعضِ جُلُودِ السِّباعِ التى لها أنْيابٌ، فإنَّ بَيْعَها أسْهَلُ؛ لأنَّ النّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّما نَهَى عن أكْلِ لُحُومِها. والصَّحِيحُ عنه، أنَّه لا يجوزُ. وهذا يَنْبَنِى على الحُكْمِ بِنَجاسَةِ جُلُودِ المَيْتَةِ، وأنَّها لا تَطْهُرُ بالدِّباغِ، وقد ذَكَرْنا ذلك فى بابِهِ.

فصل: فأمَّا بَيْعُ لَبَنِ الآدَمِيَّاتِ، فقال أحمدُ: أكْرَهُه. واخْتَلَفَ أصْحابُنا فى جَوازِه. فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ جَوازُه؛ لقوله: "وَكُلَّ مَا فِيهِ المَنْفَعَةُ". وهذا قولُ ابنِ حامِدٍ، ومذهَبُ الشَّافِعِىِّ. وذَهَبَ جَماعَةٌ من أصْحابِنا إلى تَحْرِيمِ بَيْعِه، وهو مذهبُ أبى حنيفةَ ومالِكٍ؛ لأنَّه مائِعٌ خارِجٌ من آدَمِيِّةٍ، فلم يَجُزْ بَيْعُه،


(١٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>