للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لَزِمَه الغُسْلُ، سواءٌ اغْتَسَلَ قبلَ خُرُوجِه أو لم يَغْتَسِلْ؛ لأنَّه مَنِىٌّ خَرَجَ بسَبَبِ الشَّهْوةِ، فأوْجَبَ الغُسْلَ، كما لو خَرَجَ حال انْتِقالِه. وقد قال أحمدُ، رحمَه اللهُ، في الرَّجُلِ يُجامِعُ ولم يُنْزِلْ، فيَغْتَسِلُ، ثم يَخْرُجُ منه المَنِىُّ: عليه الغُسْلُ. وسُئِلَ عن رَجُلٍ رَأىَ في المنامِ أنه يُجَامِعُ فاسْتَيْقَظَ، فلم يَجِدْ شيئًا، فلما مَشَى خَرَجَ منه المَنِىُّ، قالَ: يَغْتَسِلُ. وقال القَاضِى في الذي أحَسَّ بانْتِقالِ المَنِىِّ، فأمْسَكَ ذَكَرَه، فاغْتَسَلَ، ثم خَرَج منه المَنِىُّ مِنْ غَيْرِ مُقارَنةِ شَهْوةٍ بَعْدَ البَوْلِ: لا (١٦) غُسْلَ عَلَيْه. رِوَايةً واحِدَةً. وإنْ كانَ قبلَ البَوْلِ فعلى رِوَايَتَيْنِ؛ لأنَّهُ بعدَ البَوْلِ غيرَ المَنِىِّ المُنْتَقِلِ خَرَجَ بغَيْرِ شَهْوةٍ، فأشْبَهَ الخارِجَ لِمَرَضٍ، وإنْ كانَ قَبْلَه فهو ذَلِكَ المَنِىُّ الذي انْتَقَلَ. وَوَجْهُ ما قُلْنا، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ بالغُسْلِ عندَ رُؤْيةِ الماءِ وفَضْخِه، وقد وُجِدَ، ونَصَّ أحمدُ على وُجُوبِ الغُسْلِ على المُجامِعِ الذي يَرَى الماءَ بعدَ غُسْلِه، وهذا مثلُه، وقد دَلَّلْنا علَى (١٧) أنَّ مَنْ أحَسَّ بانتقالِ المَنِىِّ ولم يَخْرُجْ، لا غُسْلَ عليه، ويَلْزَمُ مِنْ ذلك وُجُوبُ الغُسْلِ عليه بظُهُورِه، لِئَلَّا يُفْضِى إلى نَفْىِ الوُجُوبِ عنه بالكُلِّيَّةِ، مع انْتِقالِ المَنِىِّ لِشَهْوةٍ وخُرُوجِه.

فصل: فأمَّا إنِ احْتَلَمَ، أو جَامَعَ، فَأمْنَى، ثم اغْتَسَلَ، ثم خَرَجَ منه مَنِىٌّ، فالمَشْهُورُ عن أحمدَ أنه لا غُسْلَ عليه. قال الخَلَّالُ: تَواتَرَتِ الرِّوَاياتُ عن أبِي عبد اللَّه، أنَّه ليس عليه إلَّا الوُضُوءُ، بَالَ أو لم يَبُلْ، فَعَلَى هذا اسْتَقَرَّ قَوْلُه. ورُوِىَ ذلك عَن عَلِىٍّ، وابْنِ عَبَّاسٍ، وعَطَاءٍ، والزُّهْرِىِّ، ومالِكٍ، واللَّيْثِ، والثَّوْرِىِّ، وإِسْحَاقَ، وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: لا غُسْلَ عليه إلَّا عن شَهْوَةٍ. وفِيهِ رِوَايةٌ ثانيةٌ: إنْ خَرَجَ بعدَ البَوْلِ، فَلَا غُسْلَ فيه، وإن خَرَجَ قَبْلَه اغْتَسَلَ. وهذا قَوْلُ الأَوْزَاعِىِّ، وأبِى حَنِيفَة، ونُقِلَ ذَلِكَ عن الحسن؛ لأَنّه بَقِيةُ ماءٍ خَرَجَ بالدَّفْقِ والشَّهْوَةِ، فأَوْجَبَ الغُسْلَ كالأَوَّلِ، وبعدَ البَوْلِ خَرَجَ بغَيْرِ دَفْقٍ وشَهْوَةٍ، ولا نَعْلَمُ أنَّه بَقِيةُ الأَوَّلِ؛ لأَنَّه لو كان بَقِيَتَّه لما تَخَلَّفَ بعدَ البَوْلِ، وقال القاضِى: فيه روايَةٌ ثَالِثَةٌ، عليهِ


(١٦) في الأصل: "فلا".
(١٧) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>