للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مالكٌ: إذا كانتْ في الأنْفِ أو فِي اللَّحْيِ الأَسْفلِ، ففيها حُكومةٌ؛ لأنَّها تَبْعُدُ عن الدِّماغِ، فأشْبهَتْ مُوضِحةَ سائرِ البدنِ. ولَنا، عُمومُ الأحاديثِ، وقولُ أبي بكرٍ وعمرَ، رَضِىَ اللَّه عنهما: المُوضِحَةُ في الرَّأْسِ والوجْهِ سواءٌ (٧). ولأنَّها مُوضِحَةٌ، فكان أرشُها خمسًا مِنَ الإِبلِ، كغيرِها ممَّا سَلَّمُوه، ولا عِبْرةَ بكثْرةِ الشَّيْنِ، بدليل التَّسْوِيَةِ بين الصَّغيرةِ والكبيرةِ. وما ذكروه لمالكٍ لا يصحُّ؛ فإنَّ المُوضِحَةَ في الصدْرِ أكثرُ ضَررًا، وأقْرَبُ إلى القلبِ، ولا مُقدَّرَ فيها. وقد رُوى عن أحمدَ، رَحِمه اللَّه، أنَّه قال: مُوضِحَةُ الوَجْهِ أَحْرَى أنْ يُزادَ في دِيَتِها. وليسَ (٨) معنى هذا أنَّه يجبُ فيها أكثرُ واللهُ أَعلمُ، وإنَّما مَعْناه أنَّها أَوْلَى بإيجابِ الدِّيَةِ، فإنَّها (٩) إذا وجب (١٠) في مُوضِحَةِ الرأْسِ مع قِلَّةِ شَيْنِها واستِتارِها بالشَّعَرِ وغِطاءِ الرأْسِ، خمسٌ من الإِبلِ، فَلأنْ يجبَ ذلك في الوَجْهِ الظَّاهرِ، الذي هو مَجْمَعُ الْمَحاسنِ، وعُنْوانُ الجمال، أوْلَى. وحَمْلُ كلامِ أحمدَ على هذا، أوْلَى من حمْلِه على ما يُخالفُ الخبرَ والأثرَ وقولَ أكثرِ أهلِ العلم، ومصيرُه إلى التَّقديرِ بغيرِ تَوْقيفٍ، ولا قِياسٍ صَحيحٍ.

فصل: ويجبُ أرْشُ المُوضِحَةِ في الصَّغيرةِ والكَبيرةِ، والبارزةِ والمَسْتُورةِ بالشَّعَرِ؛ لأنَّ اسْمَ المُوضِحةِ يشْملُ الجميعَ. وحَدُّ المُوضِحَةِ ما أفْضَى إلى العَظْمِ، ولو بقدرِ إبْرَةٍ. ذكَره ابنُ القاسمِ، والقاضى. فإنْ شجَّه في رأْسِه شَجَّةً، بعضُها مُوضِحَةٌ، وبعضُها دُونَ المُوضِحَةِ، لم يَلْزَمْهُ أكثرُ من أَرْشِ مُوضِحَةٍ؛ لأنَّه لو أوْضَحَ الجميعَ لم يَلْزَمْه أكثرُ في أَرْشِ مُوضِحَةٍ، فلأَنْ لا يَلْزَمَه في الإِيضاحِ في البعض أكثرُ من ذلك أوْلَى، وهكذا لو شجَّه شَجَّةً بعضُها هاشِمَةٌ، وباقِيها دُونَها، لم يَلْزَمْه أكثرُ من أرْشِ


(٧) أخرجه البيهقي، في: باب أرش الموضحة، من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٨٢. وابن أبي شيبة، في: باب الموضحة في الوجه ما فيها، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ١٥٠.
(٨) في الأصل زيادة: "في".
(٩) في ب، م: "فإنه".
(١٠) في الأصل: "وجبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>