للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونُ بها حَالِفًا، وإِنْ قُدِّرَ ثُبوتُ حُكْمِها، لَزِمَه أقلُّ ما يتَناوَلَه (٤٦) الاسْمُ، وهو يمِينٌ مَّا، وليست كُلُّ يَمِين مُوجِبةً للكَفَّارَةِ، فلا يَلْزَمُه شىءٌ. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّه كِنايَةٌ عن اليَمِينِ، وقد نَوَى بها اليَمِينَ، فتكونُ يَمِينًا، كالصَّرِيحِ.

فصل: وإذا حَلَفَ على تَرْكِ شىءٍ، أو حَرَّمَه، لم يَصِرْ مُحرَّمًا. وقال أبو حنيفةَ: يصيرُ مُحَرَّمًا؛ لقولِ اللَّه تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٤٧). وقولِه: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٤٨) ولأنَّ الحِنْثَ يَتَضَمَّنُ هَتْكَ حُرْمَةِ الاسْمِ المُعَظَّمِ (٤٩)، فيكونُ حرامًا، ولأنَّه إذا حَرَّمَه، فقد حَرَّمَ الحلالَ، فيَحْرُمُ، كما لو حَرَّمَ زَوْجَتَه. ولَنا، أنَّه إذا أرادَ التَّكْفِيرَ، فله فِعْلُ المَحْلوفِ عليه، وحِلُّ فِعْلِه مع كونِه مُحَرَّمًا تَناقُضٌ وتَضادٌ، والعَجَبُ أَنَّ أبا حَنِيفَةَ لا يُجَوِّزُ التَّكْفِيرَ إِلَّا بعدَ الحِنْثِ، وقد فَرَضَ اللَّه تعالى تَحِلَّة اليَمِينِ، فعلى قَوْلِه، يَلْزَمُ كونُ المُحَرَّمِ مَفْرُوضًا، أو مِن ضَرُورَةِ المَفْرُوضِ؛ لأنَّه لا يَصِلُ إلى التَّحِلَّةِ إِلَّا بفِعْلِ المَحْلُوفِ عليه، وهو عِنْدَه مُحَرَّمٌ، وهذا غيرُ جائِزٍ، ولأنَّه لو كانَ مُحَرَّمًا، لَوَجَبَ تَقْديمُ الكَفَّارَةِ عليه (٥٠)، كالظِّهارِ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَائْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ" (٥١). فأمَرَ بفِعْلِ المَحْلوفِ عليه، ولو كان مُحَرَّمًا، لم يَأْمُرْ (٥٢) به. وسَمَّاه خَيْرًا، والمُحرَّمُ ليس بخيرٍ، وأمَّا الآيَةُ، فإنَّما أرادَ بها قولَه: هو علىَّ حرامٌ. أو مَنْعَ نفسِه منه، وذلك يُسَمَّى تَحْرِيمًا، قال اللَّه تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} (٥٣). وقال: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} (٥٤). ولم يَثْبُتْ فيه التَّحْرِيمُ حَقِيقَةً ولا شَرْعًا.


(٤٦) فى أ، ب: "تناوله".
(٤٧) سورة التحريم ١. وفى ب أول الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ}.
(٤٨) سورة التحريم ٢.
(٤٩) فى ب: "الأعظم".
(٥٠) سقط من: ب.
(٥١) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٣٩.
(٥٢) فى م: "يأمره".
(٥٣) سورة التوبة ٣٧.
(٥٤) سورة الأنعام ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>