جماعةً يَتَنَاوَبْنَه، أو أمْكَنَ أن يُسْقَى من لَبَنِ شاةِ أو نحوِها، جاز قَتْلُها. ويُسْتَحَبُّ للوَلِىِّ تَأْخِيرُها؛ لما على الوَلدِ من (٤٦) الضَّرَرِ، لِاخْتِلافِ اللَّبَنِ عليه، وشُرْبِ لَبَنِ البَهِيمةِ.
فصل: وإذا ادَّعَتِ الحَمْلَ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، تُحْبَسُ حتى يتَبَيَّنَ حَمْلُهَا؛ لأنَّ للحَمْلِ أماراتٍ خَفِيَّةً، تَعْلَمُها من نَفْسِها، ولا يَعْلَمُها غيرُها، فوَجَبَ أن يُحْتَاطَ للحَمْلِ، حتى يتَبَيَّنَ انْتِفاءُ ما ادَّعَتْه، ولأنَّه أمْرٌ يَخْتَصُّها، فقُبِلَ قَوْلُها فيه، كالحَيْضِ. والثانى، ذكَرَه القاضي، أنَّها تُرَى أَهْلَ الخِبْرَةِ، فإن شَهدْنَ بحَمْلِها أُخِّرَتْ، وإن شهدنَ ببَراءَتِها لم تُؤَخَّر؛ لأنَّ الحَقَّ حالٌّ عليها، فلا يُؤَخَّرُ بمُجَرَّدِ دَعْواها.
فصل: وإن اقْتَصَّ من حاملٍ فقد أَخْطَأَ، وأخْطَأَ السُّلْطانُ الذي مَكَّنَه من الاسْتِيفاءِ، وعليهما الإِثْمُ إن كانا عالِمَيْنِ، أو كان منهما تَفْرِيطٌ، وإن عَلِمَ أحَدُهُما أو فَرَّطَ، فالإِثْمُ عليه، ثم نَنْظُرُ؛ فإن لم تُلْقِ الولَدَ، فلا ضَمَانَ فيه؛ لأنَّا لم نَتَحَقَّقْ وُجُودَه وحَياتَه، وإن انْفَصَلَ مَيِّتًا أو حَيًّا لوَقْتٍ لا يَعِيشُ في مثلِه، ففيه غُرّةٌ، وإن انْفَصَلَ حيًّا لوقتٍ يعيشُ مثلُه، ثم ماتَ من الجِنايةِ، وجَبَتْ فيه دِيَةٌ. وعلى مَنْ يَجِبُ ضَمانُه؟ نَنْظُرُ؛ فإن كان الإِمامُ والوَلِىُّ عالِمَيْنِ بِالحَمْلِ وتَحْريمِ الاسْتِيفاءِ، أو جاهِلَيْنِ بالأمْرَيْنِ، أو بأحَدِهما، أو كان الولِىُّ عالمًا بذلك دُونَ المُمَكِّنِ له من الاسْتيفاءِ، فالضَّمانُ عليه وَحْدَه؛ لأنَّه مُباشِرٌ، والحاكمُ المُمَكِّنُ له صاحبُ سَبَبٍ، ومتى اجْتَمَعَ المباشرُ مع المُتَسَبِّبِ، كان الضمانُ على المُباشِرِ دونَ المُتَسَبِّبِ، كالحافرِ مع الدَّافعِ، وإن عَلِمَ الحاكمُ دُونَ الوَلِىِّ، فالضمانُ على الحاكمِ وحدَه؛ لأنَّ المُباشِرَ مَعْذُورٌ، فكان الضَّمانُ على المُتسَبِّبِ، كالسَّيِّدِ إذا أمَرَ عَبْدَه بالقَتْلِ، والعَبْدُ أَعْجَمِىٌّ لا يَعْرِفُ تَحْريمَ القَتْلِ، وكَشُهُودِ القِصاصِ إذا رَجَعُوا عن الشَّهادةِ بعد الاسْتِيفاءِ. وقال القاضي: إن كان أحَدُهما عالمًا وحدَه، فالضَّمانُ عليه وحدَه، وإن كانا عالِمَيْنِ، فالضمانُ على الحاكمِ؛ لأنَّه الذي يَعْرِفُ الأحكامَ، والوَلِىُّ إنَّما يَرْجِعُ إلى حُكْمِه واجْتهادِه،