للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الإِماءِ كيف شاءَ، والاسْتِمْتاعُ بهنَّ إن شاءَ كالنِّساءِ، وإن شاءَ أقلَّ، وإن شاء أكثرَ، وإن شاء سَاوَى بين الإِماءِ، وإن شاء فضَّلَ، وإن شاء اسْتَمْتعَ مِن بَعْضهِنَّ دُونَ بعضٍ؛ بدليلِ قولِ اللَّهِ تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٤). وقد كان للنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ماريَّةُ القِبْطيَّةُ، ورَيْحانةُ، فلم يكُنْ يقْسِمُ لهما. ولأنَّ الأمَةَ لا حَقَّ لها فى الاسْتِمْتاعِ، ولذلك لا يثْبُتُ لها الخِيارُ بكَوْنِ السَّيِّد مجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، ولا تُضْرَبُ لها مُدَّةُ الإيلاءِ، لكنْ إنِ احتاجتْ إلى النِّكاح، فعليه إعْفافُها، إمَّا بوَطْئِها، أو تَزْويجِها، أو بَيْعِها.

فصل: ويقْسِمُ بين نسائِه ليلةً ليلةً، فإنْ أحبَّ الزِّيادةَ على ذلك، لم يَجُزْ إلَّا برضَاهُنَّ. وقال القاضى: له أَنْ يقْسِمَ ليلتَيْنِ ليلتينِ، وثلاثًا ثلاثًا. ولا تجوزُ الزِّيادةُ على ذلك إلَّا برضاهُنَّ. والأوْلَى مع هذا ليلةٌ وليلةٌ؛ لأنَّه أقْرَبُ لعَهْدهِنَّ به، وتجُوزُ الثلاثُ لأنَّها فى حدِّ القِلَّةِ، فهى كاللَّيلةِ، وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ. ولَنا، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما قسَمَ ليلةً وليلةً، ولأنَّ التَّسْوِيَةَ واجبةٌ، وإنَّما [جُوِّزَ بالبدايةِ] (٥) بواحدةٍ، لتعذُّرِ الجَمْعِ، فإذا بات عندَ واحدةٍ ليلةً، تعيَّنتِ اللَّيلةُ الثانيةُ حقًّا للأُخْرَى، فلم يَجُزْ جَعْلُها للأُولَى بغيرِ رِضَاها، ولأنَّه تأْخيرٌ لحقُوقِ بعْضهنَّ، فلم يَجُزْ بغيرِ رضاهُنَّ، كالزِّيادةِ على الثَّلاثِ، ولأنَّه إذا كان له أربعُ نسوةٍ، فجعلَ لكلِّ واحدةٍ ثلاثًا، حصَلَ تأخيرُ الأخيرةِ فى تسعِ ليالٍ، وذلك كثيرٌ، فلم يجُزْ، كما لو كان له امرأتانِ، فأرادَ أَنْ يجعلَ لكلِّ واحدةٍ تسعًا، ولأنَّ للتَّأْخيرِ آفاتٌ، فلا يجوزُ مع إمْكان التَّعْجيلِ بغيرِ رِضَى المُسْتحِقِّ، كتأْخيرِ الدَّيْنِ الحالِّ، والتَّحْديدُ بالثَّلاثِ تَحَكُّمٌ لا يُسْمَعُ مِن غيرِ دليلٍ، وكونُه فى حَدِّ القِلَّةِ لا يُوجِبُ جوازَ تَأْخِيرِ الحقِّ، كالديونِ الحالَّةِ وسائرِ الحقوقِ.

فصل: فإنْ قَسَمَ لإحْداهما، ثم طلَّقَ الأُخْرَى قبلَ قَسْمِها، أثِمَ؛ لأنَّه فوَّتَ حقَّها


(٤) سورة النساء ٣.
(٥) فى ب، م: "جوزت البداءة".

<<  <  ج: ص:  >  >>