للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثبَتَ هذا، فإنَّه لا يجوزُ نَقْضُ حُكمِه فيما لا يُنْقَضُ به حُكمُ مَن له وِلايةٌ. وبهذا قالَ الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: للحاكمِ نَقْضُه إذا خالفَ رأيَه؛ لأنَّ هذا عَقْدٌ فى حقِّ الحاكمِ، فملَكَ فسْخَه، كالعَقدِ الموْقوفِ فى حَقِّه. ولَنا، أنَّ هذا حُكْمٌ صحيحٌ لازِمٌ، فلم يَجُزْ فَسْخُه لمُخالَفتِه (٥٠) رأيَه، كحُكمِ مَن له وِلايةٌ، وما ذكَرُوه غيرُ صحيحٍ، فإنَّ حُكْمَه لازِمٌ للخَصْمينِ، فكيف يكونُ مَوْقوفًا؟ ولو كان كذلك، لمَلَكَ فَسْخَه وإنْ لم يُخالِفْ رأيَه، ولا نسلِّمُ الوقوفَ فى الْعقودِ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ لكلِّ واحدٍ من الخَصْمين الرُّجوعَ عن تَحْكيمِه قبلَ شُروعِه فى الحُكمِ؛ لأنَّه لا يثْبُتُ إلَّا برِضَاه، فأشْبَهَ ما لو رجعَ عنِ التَّوكيلِ قبلَ التَّصرُّفِ. وإن رجعَ بعدَ شُروعِه، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، له ذلك؛ لأنَّ الحُكمَ لم يَتِمَّ، أشْبَهَ قبلَ الشُّروعِ. والثانى، ليس له ذلك؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى أنَّ كلَّ واحدٍ منهما إذا رأَى من الحُكمِ ما لا يوافقُه، رَجعَ، فيَبْطُلُ (٥١) المقصودُ به.

فصل: قال القاضى: وينْفُذُ حكمُ مَن حكَّماه فى جميعِ الأحكامِ إلَّا أربعةَ أشياءَ؛ النِّكاح، واللِّعانَ، والقَذْفَ، والقِصاصَ؛ لأنَّ لهذه الأحْكامِ مَزِيَّةً على غيرِها، فاخْتَصَّ الإِمامُ بالنَّظرِ فيها، ونائبُه يَقومُ مَقامَه. وقال أبو الخَطَّاب: ظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه يَنفُذُ حكمُه فيها. ولأصحابِ الشَّافعىِّ وَجْهان، كهذَيْن. وإذا كتبَ هذا القاضى بما حَكمَ به كِتابًا إلى قاضٍ من قُضاةِ المسلمين، لزِمَه قَبولُه، وتَنْفِيذُ كتابِه؛ لأنَّه حاكمٌ نافِذُ الأحْكامِ، فلَزِمَ قَبولُ كتابِه، كحاكمِ الإِمامِ.

١٨٧٨ - مسألة؛ قال: (وَيَحْكُمُ عَلَى الغائِبِ، إِذَا صَحَّ الحَقُّ عَلَيْه)

وجملتُه أنَّ مَن ادَّعَى حقًّا على غائبٍ فى بلدٍ آخرَ، وطلبَ من الحاكمِ سماعَ البَيِّنةِ، والحُكمَ بها عليه، فعلى الحاكمِ إجابتُه، إذا كَمَلَتِ الشَّرائطُ. وبهذا قال شُبْرُمَةُ، ومالِكٌ، والأوْزاعىُّ، واللَّيْثُ، وسَوَّارٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وكان


(٥٠) فى الأصل: "لمخالفة".
(٥١) فى م: "فبطل".

<<  <  ج: ص:  >  >>