للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكَوْنِهِما زادَ إخْوَانِنَا مِنَ الجِنِّ، فزَادُنا مع عِظَمِ حُرْمَتِه أَوْلَى. فإنَّ قِيلَ: فقد نَهَى عن الاسْتِنْجاءِ باليَمينِ، كَنَهْيهِ ههُنَا، ولم (٦) يَمْنَعْ ذلك الإِجْزَاءَ ثَمَّ، كذا ههنا. قُلْنا: قد بَيَّنَ في الحديثِ أنَّهما لا يُطَهِّران، ثم الفَرْقُ بينهما أنَّ النَّهْىَ ههنا لمعنًى في شَرْطِ الفِعْلِ، فمنَع صِحَّتَه، كالنَّهْىِ عن الوُضُوءِ بالماءِ النَّجِسِ، وثَمَّ لمعنًى في آلةِ الشَّرْطِ، فلم يَمْنَعْ كالوُضُوءِ من إناءٍ مُحَرَّمٍ.

فصل: ولا يجوزُ الاسْتِنْجاء بما له حُرْمَة؛ كشىءٍ كُتِبَ فيه فِقْهٌ، أو حَدِيثُ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لما فيه من هَتْكِ الشَّرِيعةِ، والاسْتِخْفافِ بحُرْمَتِها، فهو في الحُرْمةِ أعْظَمُ مِن الرَّوْثِ والرِّمَّةِ. ولا يجوزُ بمُتَّصلٍ بحَيَوانٍ، كيدِه وعَقِبِه، وذَنَبِ بهيمةٍ وصُوفِها المُتَّصِلِ بها. وقال بعضُ أصحابنا: يَجْمَعُ المُسْتَجْمَرُ به سِتَّ خِصَالٍ؛ أن يكون طاهِرًا، جامِدًا، مُنَقِّيًا، غيرَ مَطْعُومٍ، ولا حُرْمَةَ له، ولا مُتَّصِل (٧) بحَيَوانٍ.

٤٠ - مسألة؛ قال: (والحَجَرُ الكَبِيرُ الَّذِى له ثَلَاثُ شُعَبٍ يَقُومُ مَقَامَ ثَلَاثَةِ أحْجَارٍ)

وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وإسْحاق، وأبُو ثَوْر. وعن أحمدَ، رواية أخرى: لا يُجْزِىءُ أَقَلُّ مِن ثلاثةِ أحجارٍ. وهو قول أبي بَكر ابن المُنْذِر؛ لقوله عليه السلام: "لا يَسْتَنْجِى أحَدُكُمْ بدُونِ ثَلَاثةِ أحْجارٍ"، "وَلَا يَكْفِى أحَدَكُمْ دُونَ ثَلاثةِ أحْجارٍ". ولأنَّه إذا اسْتَجْمَرَ بحَجرٍ تَنَجَّسَ؛ فلا يجوزُ الاسْتِجْمارُ به ثانِيًا، كالصَّغِيرِ. ولنَا، أنَّه إن اسْتَجْمَرَ ثلاثًا مُنَقِّيةً بما وُجِدَت فيه شُرُوط الاسْتِجْمارِ، أَجْزَأَه، كما لو فصَله ثلاثةً صِغارًا واسْتَجْمَرَ بها، إذ لا فَرْقَ بين الأَصْلِ والفَرْعِ إلَّا فَصْلُه، ولا أثَرَ لذلك في التَّطهِيرِ، والحديثُ يقْتَضِى ثلاثَ مَسَحاتِ بحَجَرٍ دون عَيْنِ الأَحْجارِ، كما يقال: ضَرَبْتُه ثلَاثةَ أسْواطٍ. أي ثلاثَ ضَرَباتٍ بسَوْطٍ. وذلك لأنَّ معناه مَعْقولٌ، ومُرَادُه مَعْلومٌ، ولذلك لم نَقْتَصِرْ علَى لَفْظِه فى غيرِ الأحجارِ، بل أَجَزْنا الخَشَبَ


(٦) في م: "فلم".
(٧) كذا، فلم يعطف بعد لا.

<<  <  ج: ص:  >  >>