للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحَفْنَتَيْنِ، وما دُونَ الأُرْزَةِ مِن الذَّهَبِ والفِضَّةِ، أو لكَثْرَتِه كالزُّبْرَةِ (١٦) العَظِيمَةِ، فإنّه لا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِه بِبَعْضٍ، إلّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ويَحْرُمُ التَّفاضُلُ فيه. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، والشَّافِعِيُّ، وإسْحَاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. ورَخَّصَ أبو حنيفةَ في بَيْعِ الحَفْنَةِ بالحَفْنَتَيْنِ، والحَبَّةِ بالحَبَتَّيْنِ، وسَائِرِ المَكِيلِ الذي لا يَتَأتَّى كَيْلُه، ووافَقَ في المَوْزُونِ، واحْتَجَّ بأنَّ العِلَّةَ الكَيْلُ، ولم يُوجَدْ في اليَسِيرِ. ولنا، قولُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بمِثْلٍ، مَنْ زَادَ أوِ ازْدَادَ فَقَدْ أرْبَى" (١٧). ولأنَّ ما جَرَى الرِّبا في كَثِيرِه جَرَى في قَلِيلِه، كالمَوْزُونِ.

فصل: ولا يجوزُ بَيْعُ تَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ، ولا حَفْنَةٍ بحَفْنَةٍ. وهذا قولُ الثَّوْرِيِّ، ولا أعْلَمُه مَنْصُوصًا عليه، ولَكِنّه قِياسُ قَوْلِهِم، لأنَّ ما أصْلُه الكَيْلُ لا تَجْرِي المُماثَلَةُ في غيرِه.

فصل: فأمّا ما لا وَزْنَ للصِّناعَةِ فيه، كَمَعْمُولِ الحَدِيدِ، والرَّصاصِ، والنُّحاسِ، والقُطْنِ، والكَتَّانِ، والصُّوفِ، والإبْرِيسَمِ (١٨)، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ في الثِّيابِ والأكْسِيَةِ أنّه لا يَجْرِي فيها الرِّبا، فإنَّه قال: لا بَأسَ بالثَّوْبِ بالثَّوْبَيْنِ، والكِساءِ بالكِساءَيْنِ. وهذا قولُ أكْثَرِ أهلِ العلمِ، وقال: لا يُباعُ الفَلْسُ بالفَلْسَيْنِ، ولا السِّكِّينُ بالسِّكِّينَيْنِ، ولا إبْرَةٌ بإبْرَتَيْنِ، أصْلُه الوَزْنُ. ونَقَلَ القاضي حُكْمَ إحْدَى المسألتينِ إلى الأُخْرَى، فَجعَلَ فيهما جَمِيعًا رِوايَتَيْنِ، إحداهما، لا يَجْرِي في الجَمِيعِ. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، وأبي حنيفةَ، وأكْثَرِ أهلِ العلمِ؛ لأنّه ليس بمَوْزُونٍ ولا مَكِيلٍ، وهذا هو الصَّحِيحُ. إذ لا مَعْنَى لثُبُوتِ الحُكْمِ مع انْتِفاءِ العِلَّةِ، وعَدَمِ النَّصِّ (١٩) والإجْمَاعِ فيه. والثانية، يَجْرِي الرِّبا في الجَمِيعِ. اختارها ابنُ عَقِيلٍ، لأنّ أصْلَه الوَزْنُ، فلا يَخْرُجُ بالصِّناعَةِ عنه كالخُبْزِ، وذَكَر أنّ اخْتِيارَ


(١٦) الزُّبْرَة: القطعة من الحديد، والجمع زُبَر. لسان العرب، مادة (ز ب ر).
(١٧) تقدم تخريجه في صفحة ٥٤.
(١٨) الإبْرِيسَم: الحرير.
(١٩) في م: "النقص".

<<  <  ج: ص:  >  >>