للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدُلُّ على أنَّها تَطْلُقُ ثلاثًا. ونحوَه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ، ومالكٌ؛ لأنَّ [اللَّفظةَ الواحدةَ] (١٦) تَقْتضِى طَلْقةً، فإذا تَكَرَّرَتْ اقْتَضَتْ ثلاثًا، كلَفْظةِ الطَّلاقِ.

فصل: فإن قال لزوجتِه: طَلِّقِى نفسَك. وَنوَى عَدَدًا، فهو على ما نَوَى. وإن أطلقَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، لم يَمْلِكْ إلَّا واحدةً؛ لأنَّ الأَمْرَ المُطْلَقَ يَتَناولُ أقلَّ ما يَقعُ عليه الاسْمُ. وكذلك الحُكْمُ لو وكَّل أجْنَبِيًّا، فقال: طَلِّقْ زوجتِى. فالحُكْمُ على ما ذكَرْناه. قال أحمدُ: إذا قال لامرأتِه: طَلِّقِى نفسَكِ. ونَوَى ثلاثًا، فَطَلَّقَتْ نفسَها ثلاثًا، فهى ثلاث، وإن كان نَوَى واحدةً، فهى واحدةٌ؛ وذلك لأنَّ الطَّلاقَ يَكونُ واحدةً وثلاثًا، فأيُّهما نَوَاهُ فقد نَوَى بلَفْظِه ما احْتمَلَه، وإن لم يَنْوِ تَناولَ اليَمينَ، وهو الواحدةُ. فإن طَلقَت نفسَها، أو طلَّقَها الوكيلُ فى المجلس، أو بعدَه، وقعَ الطَّلاقُ؛ لأنَّه توكيلٌ. وقال القاضى: إذا قال لها: طَلِّقِى نفسَك، تَقَيَّدَ بالمجلسِ؛ لأنَّه تَفْويضٌ للطَّلاقِ إليها، فتَقيَّدَ بالمجلسِ، كقوله: اخْتارِى. ولَنا، أنَّه توكيلٌ فى الطَّلاقِ، فكان على التَّراخِى، كتَوكيلِ الأجْنَبِىِّ، كقولِه: أمْرُكِ بيدكِ. وفارقَ: اخْتارِى. فإنَّه تَخْييرٌ. وما ذكَرَه (١٧) يَنْتَقِضُ بقولِه: أمْرُكِ بيَدكِ. ولها أن تُوقِعَ الطَّلاقَ بلَفْظِ الصَّريحِ، وبالكنايةِ مع النِّيَّةِ. وقال بعضُ أصْحابِ الشَّافعىِّ: ليس لها أن تُوقِعَه بالكنايةِ؛ لأنَّه فوَّضَه إليها بلَفْظِ الصَّرِيحِ، فلا يَصِحَّ أن تُوقِعَ غيرَ ما فوضَ إليها. ولَنا، أنَّه فوَّضَ إليها الطَّلاقَ، وقد أوْقعَتْه، فوقَعَ، كما لو أوْقعَتْه بلفظِ الصَّرِيحِ. وما ذكَرَه غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّ التَّوكيلَ فى شىءٍ لا يَقْتضِى أن يكونَ إيقاعُه بلفظِ الأمرِ مِن جهتِه، كما لو قال لوكيلِه: بعْ دارى. جازَ له بيعُها بلفظِ التَّمْليكِ. وإن قال لها: طَلِّقِى (١٨) ثلاثًا. فطلَّقَتْ واحدةً، وقَعَ. نَصَّ عليه. وقال مالكٌ: لا يَقعُ شىءٌ؛ لأنَّها لم تَمْتَثِلْ أمرَه. ولَنا، أنَّها مَلَكَتْ إيقاعَ ثلاثٍ، فمَلَكَتْ


(١٦) فى الأصل، أ: "لفظة الواحدة".
(١٧) فى أ، ب، م: "ذكروه".
(١٨) فى الأصل: "طلقينى".

<<  <  ج: ص:  >  >>