للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن تَبَرَّعَ بمُؤْنَةِ إنْسانٍ فى شهرِ رمضانَ، فأكْثَرُ أصْحَابِنَا يَخْتَارُونَ وُجُوبَ الفِطْرَةِ عليه. وقد نَصَّ عليه أحمدُ، فى رِوَايَةِ أبى دَاوُدَ، فى مَن ضَمَّ إلى نَفْسِه يَتِيمَةً يُؤَدِّى عنها؛ وذلك لِقَوْلِه عليه السَّلَامُ: "أدُّوا صَدَقَةَ الفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ". وهذا مِمَّنْ يَمُونُ (١٦)، ولأنَّه شَخْصٌ يُنْفِقُ عليه، فلَزِمَتْه فِطْرَتُه كعَبْدِهِ. واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه (١٧) لا تَلْزَمُه فِطْرَتُه، لأنَّه لا تَلْزَمُه مُؤْنَتُه، فلم تَلْزَمْهُ فِطْرَتُه، كما لو لم يَمُنْه. وهذا قولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ، وهو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللهُ تعالى. وكلامُ أحمدَ فى هذا مَحْمُولٌ على الاسْتِحْبَابِ، لا علَى الإيجابِ، والحَدِيثُ مَحْمُولٌ على من تَلْزَمُه مُؤْنَتُه، لا على حَقِيقَةِ المُؤْنَةِ، بِدَلِيلِ أنَّه تَلْزَمُه فِطْرَةُ الآبِقِ ولم (١٨) يَمُنْه، ولو مَلَكَ عَبْدًا عندَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أو تَزَوَّجَ، أو وُلِدَ له وَلَدٌ، لَزِمَتْه فِطْرَتُهُم؛ لِوُجُوبِ مُؤْنَتِهِم عليه، وإن لم يَمُنْهُم، ولو باع عَبْدَهُ، أو طَلَّقَ امْرَأتَه، أو مَاتَا، أو ماتَ وَلَدُه، لم تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُم، وإن مَانَهُم؛ ولأنَّ قَوْلَه: "مِمَّنْ تَمُونُونَ" فِعْلٌ مُضَارِع، فيَقْتَضِى الحالَ أو الاسْتِقْبَال دُونَ الماضِى، ومَن مَانَه فى رمضانَ إنَّما وُجِدَتْ مُؤْنَتُه (١٩) فى الماضِى، فلا يَدْخُلُ فى الخَبَرِ، ولو دَخَلَ فيه لَاقْتَضَى وُجُوبَ الفِطْرَةِ على مَن مَانَه لَيْلَةً واحِدَةً، وليس فى الخَبَرِ ما يُقَيِّدُه بالشَّهْرِ ولا بِغَيْرِه، فالتَّقْيِيد بِمُؤْنَةِ الشَّهْرِ تَحَكُّمٌ. فعلى هذا القول تكونُ فِطْرَةُ هذا المُخْتَلَفِ فيه على نَفْسِه، كما لو لم يَمُنْه. وعلى قَوْلِ أصْحَابِنَا المُعْتَبَرُ الإنْفَاقُ فى جَمِيعِ الشَّهْرِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: قِياسُ مَذْهَبِنَا أنَّه إذا مَانَه آخِرَ لَيْلَةٍ، وَجَبَتْ فِطْرَتُه، قِيَاسًا على من مَلَكَ عَبْدًا عندَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وإنْ (٢٠) مَانَه جَمَاعَةٌ فى الشَّهْرِ كُلِّه، أو مَانَه إنْسَانٌ بعضَ الشَّهْرِ، فعلَى تَخْرِيِجِ (٢١) ابنِ عَقِيلٍ هذا تكونُ


(١٦) فى ب، م: "يمونون".
(١٧) سقط من: أ، ب، م.
(١٨) فى ب، م: "ولو لم".
(١٩) فى الأصل: "منه المؤنة".
(٢٠) فى م: "وإذا".
(٢١) فى م: "قياس قول".

<<  <  ج: ص:  >  >>