للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا لم يكُنْ حُجَّةً؛ لأنَّه قد نقَلَه ثِقَاتٌ عنه، فلو نَسِيَه الزُّهْرِىُّ لم يُضِرْه (٩)؛ لأنَّ النِّسْيانَ لم يُعْصَمْ منه إنسانٌ. قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَسِىَ آدمُ، فنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُه" (١٠). ولأنَها مُوَلَّى عليها فى النِّكاحِ، فلا تَلِيه، كالصَّغِيرةِ، وأمَّا الآيةُ، فإنَّ عَضْلَها الامْتِناعُ من تَزْوِيجِها، وهذا يَدُلُّ على أَنَّ نِكاحَها إلى الوَلِىِّ، ويَدُلُّ عليه أنَّها نزَلَتْ فى شأنِ مَعْقِلِ بن يَسارٍ، حين امْتَنَعَ من تَزْوِيِج أُخْتِه، فدَعَاه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فزَوَّجَها (١١). وأضافَه إليها لأنَّها مَحَلٌّ له. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا يجوزُ لها تَزْوِيجُ أحَدٍ. وعن أحمدَ، لها تَزْوِيجُ أمَتِها. وهذا يدلُّ على صِحّةِ عِبارَتِها فى النِّكاحِ، فيُخَرَّجُ منه أَنَّ لها تَزْوِيجَ نَفْسِها بإِذْنِ وَلِيِّها، وتزويجَ غيرِها بالوَكالةِ. وهو مذهبُ محمدِ بن الحسنِ. وينْبَغِى أن يكونَ قولًا لِابْنِ سِيرِينَ ومَنْ معه؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّمَا امْرَأةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغيْرِ إذْنِ وَلِيهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ". فمَفْهومُه صِحّتُه بإذْنِه. ولأنَّ المرأةَ إنَّما مُنِعَت الاسْتِقلالَ بالنِكاحِ، لقُصُورِ عَقْلِها، فلا يُؤْمَنُ انْخِداعُها ووُقوعُه منها على وَجْهِ المَفْسَدةِ، وهذا مأمونٌ فيما إذا أَذِنَ فيه وَلِيُّها. والصحيحُ الأوَّلُ؛ لعُمُوم قوله: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِىٍّ". وهذا يُقَدَّمُ على دليلِ الخِطابِ، والتَّخْصِيصُ ههُنا خَرَجَ مَخْرَجَ الغالبِ، فإنَّ الغالِبَ أنَّها لا تُزَوِّجُ نَفْسَها إلَّا بغيرِ إذْنِ وَلِيِّها، والعِلَّةُ فى مَنْعِها، صِيانَتُها عن مُبَاشرةِ ما يُشْعِرُ بوَقاحَتِها ورُعُونَتِها ومَيْلِها إلى الرِّجالِ، وذلك يُنَافِى حالَ أهلِ الصِّيانةِ والمُرُوءَةِ، واللَّهُ أعلمُ.

فصل: فإن حَكَمَ بصِحّةِ هذا العقدِ حاكمٌ، أو كان المُتَوَلِّى لعَقْدِه حاكمًا، لم


(٩) فى الأصل: "يضر".
(١٠) أخرجه الترمذى، فى: باب تفسير سورة الأعراف، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١١/ ١٩٦ - ١٩٩.
(١١) أخرجه البخارى، فى: باب: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ. . .}، من كتاب التفسير، وفى: باب من قال: لا نكاح إلا بولى. من كتاب النكاح. صحيح البخارى ٦/ ٣٦، ٧/ ٢١. وأبو داود، فى: باب فى العضل، من كتاب النكاح. سنن أبى داود ١/ ٤٨١. والترمذى، فى: باب: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ. . .}، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١٢/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>