للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأُولى. ووَجْهُ الرِّوَايةِ الأولى، أنَّ الهِبَةَ أحَدُ نَوْعَىِ التَّملِيكِ، فكان منها ما لا يَلْزَمُ قبلَ القَبْضِ، ومنها ما يَلْزَمُ قبلَه، كالبَيْعِ، فإن منه (٢) ما لا يَلْزَمُ قبلَ القَبْضِ، وهو الصَّرْفُ، وبَيْعُ الرِّبَوِيَّاتِ، ومنه ما يَلْزَمُ قبلَه، وهو ما عدا ذلك. فأمَّا حَدِيثُ أبي بكرٍ (٣)، فلا يَلْزَمُ، فإنَّ جِذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا، يَحْتَمِلُ أنه أرَادَ به عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْذُوذَةً، فيكون مَكِيلًا، غيرَ مُعَيَّنٍ، وهذا لا بُدَّ فيه من القَبْضِ. وإن أرَادَ نَخْلًا يُجَذُّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فهو أيضًا غيرُ معَيَّنٍ ولا تَصِحُّ الهِبَةُ (٤) فيه قبلَ تَعْيِينِه، فيكونُ مَعْناه: وَعَدْتُكَ بالنِّحْلَةِ. وقول عمرَ (٥) أرَادَ به النَّهْىَ عن التَّحَيُّل بِنِحْلَةِ الوالِدِ وَلَدَه نِحْلَةً مَوْقُوفةً على المَوْتِ، فيُظْهِرُ: إنِّي نَحَلْتُ وَلَدِى شَيْئًا. ويُمْسِكُه في يَدِه ويَسْتَغِلُّه، فإذا ماتَ أخَذَه وَلَدُه بحُكْمِ النِّحْلَةِ التي أظْهَرَها، وإن ماتَ ولدُه أمْسَكَه، ولم يُعْطِ وَرَثَةَ وَلَدِه شيئًا. وهذا على هذا الوَجْهِ مُحَرَّمٌ، فنَهَاهُم عن هذا حتى يَحُوزَها الوَلَدُ دون والِدِه، فإن ماتَ وَرِثَها وَرَثَتُه، كسائِر مالِه. وإذا كان المَقْصُودُ هذا اخْتصَّ بِهِبَةِ الوَلَدِ [دُونَ والدِه] (٦)، وشِبْهِه، على أنَّه قد رُوِىَ عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ خِلَافُ ذلك، فتَعَارَضَتْ أقْوَالُهُم.

فصل: قولُ الخِرَقِىِّ: "إذا قَبِلَ" يَدُلُّ على أنَّه إنَّما يُسْتَغْنَى عن القَبْضِ في مَوْضِعٍ وُجِدَ فيه الإِيجابُ والقَبُولُ. والإِيجابُ أن يقولَ: وَهَبْتُكَ، أو أهْدَيْتُ إليك، أو أعْطَيْتُكَ، أو هذا لك. ونحوه من الألْفَاظِ الدَّالّةِ على هذا المَعْنَى. والقَبُولُ أن يقولَ: قَبِلْتُ، أو رَضِيتُ، أو نحو هذا. وذَكَرَ القاضي، وأبو الخَطَّابِ، أنَّ الهِبَةَ والعَطِيّةَ لا تَصِحُّ كلُّها إلَّا بإيجَابٍ وقَبُولٍ، ولا بُدَّ منهما، سواءٌ وُجِدَ القَبْضُ أو لم يُوجَدْ. وهذا


(٢) في م: "فيه".
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٢٠٦.
(٤) في الأصل: "القبض".
(٥) تقدم في صفحة ٢٠٦.
(٦) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>