للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨٦٨ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَنْقُضُ (١) مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، إلَّا مَا خالَفَ نصَّ كِتَابٍ، أوْ سُنَّةٍ، أوْ إِجْمَاعًا)

وجملةُ ذلك أنَّ الحاكمَ إذا رُفعَتْ إليه قَضِيَّةٌ قد قضَى بها حاكمٌ سِواهُ، فبانَ له خَطؤُه، أو بانَ له خطأُ نَفْسِه، نَظَرْتَ؛ فإن كان الخطأُ لِمُخالفةِ نَصِّ كتابٍ أو سنَّةٍ أو إجْماعٍ، نَقَضَ حُكْمَه. وبهذا قال الشَّافعىُّ، وزادَ: إذا خالفَ قِياسًا (٢) جَلِيًّا نَقَضَه. وعن مالكٍ، وأبى حنيفةَ، أنَّهما قالا: لا يَنْقُضُ الحُكْمَ إلَّا إذا خالفَ الإجْماعَ. ثم ناقَضا ذلك، فقال مالكٌ: إذا حَكَمَ بالشُّفعةِ للجارِ نَقَضَ حُكْمَه. وقال أبو حنيفةَ: إذا حكمَ بِبَيْعٍ مَتْروكِ التَّسْمِيَةِ، أو حَكَمَ بينَ العَبِيدِ بالقُرْعةِ، نَقَضَ حُكْمَه. وقال محمدُ ابنُ الحسنِ: إذا حكمَ بالشَّاهدِ واليَمِينِ، نَقَضَ حُكْمَه. وهذه مسائلُ خلافٍ مُوافقةٌ للسُّنَّةِ. واحْتَجُّوا على أنَّه لا ينْقُضُ ما لم يُخالفِ الإجْماعَ بأنَّه يَسُوغُ فيه الخلافُ، فلم يَنْقُضْ حُكْمَه فيه، كما لا نَصَّ فيه. وحُكِىَ عن أبي ثَوْرٍ، وداودَ، أنَّه يَنْقُضُ جميعَ ما بانَ له خَطؤُه؛ لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، كتبَ إلى أبى موسى: لا يَمْنَعنَّك قَضاءٌ قَضَيْتَه بالأمْسِ، ثم رَاجَعْتَ نفسَك فيه اليومَ، فهُدِيتَ لرُشْدِكَ (٣)، أن تُراجِعَ فيه الحقَّ؛ فإنَّ الرجوعَ إلى الحقِّ خيرٌ من التَّمادِى فى الباطلِ (٤). ولأنَّه خطأٌ، فوجبَ الرُّجوعُ عنه، كما لو خالفَ الإجْماعَ. وحُكىَ عن مالكٍ أنَّه وافَقَهما فى قَضاءِ نَفْسِه. ولَنا، على نَقْضِه إذا خالفَ نَصًّا أو إجْماعًا، أنَّه قَضاءٌ لم يُصادِفْ شَرْطَه، فوجبَ نَقْضُه، كما لو لم يُخالِفِ الإجْماعَ، وبَيانُ مُخالَفتِه للشَّرطِ، أنَّ شرطَ الحُكْمِ بالاجْتهادِ عَدمُ النَّصِّ، بدليلِ خبرِ مُعاذٍ، ولأنَّه إذا تَركَ الكتابَ والسُّنَّةَ، فقد فَرَّطَ، فوجبَ نَقْضُ حُكْمِه، كما


(١) فى الأصل: "ينتقض".
(٢) فى م: "نصا".
(٣) فى الأصل: "إلى رشدك".
(٤) أخرجه الدارقطنى، فى: باب كتاب عمر رضى اللَّه عنه إلى أبى موسى الأشعرى، من كتاب الأقضية والأحكام وغير ذلك. سنن الدارقطنى ٤/ ٢٠٦، ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>