للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو خالفَ الإجْماعَ، أو كما لو حَكَمَ بشَهادةِ كافِرَيْنِ. وما قالُوه يَبْطُلُ بما حَكَيْناه عنهم. فإن قيل: أليس إذا صَلَّى بالاجْتهادِ إلى جِهَةٍ، ثم بان له الخطأُ لم يُعِدْ؟ قُلْنا: الفَرْقُ بينهما مِن ثلاثةِ أوْجُهٍ؛ أحدِها، أنَّ اسْتِقْبالَ القِبْلةِ يَسْقطُ حالَ العُذْرِ (٥)، فى حالِ المُسايَفَةِ (٦) والخوفِ من عَدُوٍّ [أو سَيْلٍ] (٧) أو سَبُعٍ أو نحوِه، مع العلمِ، ولا يجوزُ تَرْكُ الحقِّ إلى غيرِه مع العِلْمِ بحالٍ. الثانى، أنَّ الصَّلاةَ مِن حُقوق اللهِ تعالى، تَدْخلُها المُسامَحةُ. الثالث، أنَّ القِبلةَ يَتكرَّرُ فيها اشْتِباهُ القِبْلةِ، فيشُقُّ القَضاءُ. [و] (٨) هاهُنا إذا بانَ له الخطأُ لا يعودُ الاشْتِبَاهُ بعدَ ذلك. وأمَّا إذا تغيَّرَ اجْتهادُه مِن غيرِ أن يُخالِفَ نَصًّا ولا إجْماعًا، أو خالفَ اجْتهادُه اجتهادَ مَن قَبْلَه، لم ينقُضْه (٩) لمُخالفتِه؛ لأنَّ الصحابةَ، رضىَ اللهُ عنهم، أجْمَعُوا على ذلك، فإنَّ أبا بكرٍ حكَمَ فى مسائلَ باجْتهادِه، وخالفَه عمرُ، ولم يَنْقُضْ أحكامَه، وعلىٌّ خالفَ عمرَ فى اجْتهادِه، فلم يَنْقُضْ أحْكامَه، وخالفَهما علىٌّ، فلم يَنْقُضْ أحْكامَهما، فإنَّ أبا بكرٍ سَوَّى بين الناسِ فى العَطاءِ، وأعْطى العَبِيدَ، وخالفَه عمرُ، ففاضلَ بين الناسِ، وخالفَهما علىٌّ فَسوَّى بين الناسِ وحَرَمَ العَبِيدَ، ولم يَنْقُضْ واحدٌ منهم ما فعلَه مَن قَبْلَه (١٠)، وجاءَ أهلُ نَجْرانَ إلى علىٍّ فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، كتابُكَ بيَدِكَ، وشَفاعتُك بلسانِكَ. فقال: وَيْحَكُمْ، إنَّ عمرَ كان رَشِيدَ الأمرِ، ولن أرُدَّ قَضاءً قَضَى به عمرُ. رواه سعيدٌ (١١). ورُوِىَ أنَّ عمرَ حكَمَ فى المُشرَّكةِ بإسْقاطِ الإخْوةِ من الأبَويْن، ثم شَرَّكَ (١٢) بينهم بعدُ، وقال: تلك


(٥) فى الأصل زيادة: "فيه".
(٦) فى الأصل، أ: "المسابقة".
(٧) سقط من: ب، م.
(٨) تكملة لازمة.
(٩) فى الأصل: "ينتقضه".
(١٠) انظر ما تقدم فى: ٩/ ٣٠.
(١١) وأخرجه البيهقى، فى: باب من اجتهد من الحكام ثم تغير اجتهاده. . .، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ١٢٠.
(١٢) فى الأصل: "يشرك".

<<  <  ج: ص:  >  >>