وصَلَّى آخَرُ لِعُذْرٍ، جَازَ. نَصَّ عليه أحمدُ. ولو خَطَبَ أَمِيرٌ، فَعُزِلَ وَوُلِّيَ غيرُه، فصَلَّى بهم، فصَلَاتُهم تَامَّةٌ. نَصَّ عليه؛ لأنه إذا جَازَ الاسْتِخْلَافُ في الصلاةِ الواحِدَةِ لِلْعُذْرِ، ففى الخُطْبَةِ مع الصلاةِ أوْلَى. وإنْ لم يكنْ عُذْرٌ، فقال أحمدُ، رَحِمَهُ اللهُ: لا يُعْجِبُنِي مِن غيرِ عُذْرٍ. فَيَحْتَمِلُ المَنْعَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ كان يَتَوَلَّاهُما، وقد قال:"صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى"(٢١). ولأن الخُطْبةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ. ويَحْتَمِلُ الجَوازَ؛ لأنَّ الخُطْبَةَ مُنْفَصِلَةٌ عن الصَّلَاةِ، فأشْبَهَتَا صَلَاتَيْنِ. وهل يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ المُصَلِّى ممَّن حَضَرَ الخُطْبَةَ؟ فيه رِوَايَتَانِ: إحْدَاهما، يُشتَرَطُ ذلك. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ، وأبي ثَوْرٍ؛ لأنَّه إمَامٌ في الجُمُعَةِ، فاشْتُرِطَ حُضُورُهُ الخُطْبَةَ، كما لو لم يَسْتَخْلِفْ. والثانيةُ، لا يُشْتَرَطُ. وهو قولُ الأوْزَاعِيِّ، والشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه ممن تَنْعَقِدُ به الجُمُعَةُ، فجازَ أنْ يَؤُمَّ فيها. كما لو حَضَرَ الخُطْبَةَ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، رَحِمَه اللهُ أنَّه لا يجوزُ الاسْتِخْلَافُ لِعُذْرٍ ولا غيرِه. قال، في رِوايَةِ حَنْبَلٍ، في الإِمامِ إذا أحْدَثَ بعدَ ما خَطَبَ، فَقَدَّمَ رَجُلًا يُصَلِّى بهم: لم يُصَلِّ بهم إلَّا أرْبَعًا، إلَّا أن يُعِيدَ الخُطْبَةَ، ثم يُصَلِّى بهم رَكْعَتَيْنِ. وذلك لأنَّ هذا لم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن أحدٍ من خُلَفائِه. والأوَّلُ المذهبُ.
فصل: ومن سُنَنِ الخُطْبَةِ أنْ يَقْصِدَ الخَطِيبُ تِلْقَاءَ وَجْهِه؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفعلُ ذلك، ولأنَّه أبْلَغُ في سَمَاعِ النَّاسِ، وأعْدَلُ بينهم، فإنَّه لو الْتَفَتَ إلى أحَدِ جَانِبَيْه لأعْرَضَ عن الجانِبِ الآخَرِ، ولو خالَفَ هذا، واسْتَدْبَرَ النَّاسَ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، صَحَّتِ الخُطْبَةُ؛ لِحُصُولِ المَقْصُودِ بدُونه، فأشْبَهَ ما لو أَذَّنَ غيرَ مُسْتَقْبِلٍ القِبْلَة. ويُسْتَحَبُّ أن يَرْفَعَ صَوْتَه؛ ليُسْمِعَ النَّاسَ. قال جابِرٌ: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وعَلَا صَوْتُه، واشْتَدَّ غَضَبُه، حتى