للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى سَفَرٍ، فكان على بَكْرٍ صَعْبٍ، وكان يَتَقَدَّمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيقولُ له أبوه: لا يَتَقَدَّمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحَدٌ. فقال له النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بِعْنِيهِ". فقال عمرُ: هو لك يا رسولَ اللهِ. فقال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هُوَ لَكَ يا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ". وهذا يَدُلُّ على أنَّ التَّصَرُّفَ قبلَ التَّفَرُّقِ جائِزٌ، وذَكَرَ أصْحابُنا فى صِحَّةِ تَصَرُّفِ المُشْتَرِى بالوَقْفِ وَجْهًا آخَرَ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ، فأشْبَهَ العِتْقَ، والصَّحيحُ أنَّه لا يَصِحُّ شَىْءٌ من هذه التَّصَرُّفَاتِ؛ لأنَّ المَبيعَ يَتَعَلَّقُ به حَقُّ البائِعِ تَعَلُّقًا يَمْنَعُ جَوازَ التَّصَرُّفِ، فمَنَعَ صِحَّتَهُ، كَالرَّهْنِ. ويُفَارِقُ الوَقْفُ العِتْقَ؛ لأنَّ العِتْقَ مَبْنِىٌّ على التَّغْليبِ والسِّرايَةِ، بِخِلافِ الوَقْفِ. وأمَّا حَديثُ ابنِ عُمَرَ، فليس فيه تَصْريحٌ بِالبَيْعِ، فإنَّ قَوْلَ عمرَ: هو لك. يَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ هِبَةً، وهو الظَّاهِرُ، فإنَّه لم يَذْكُرْ ثَمَنًا، والهِبَةُ لا يَثْبُتُ فيها الخِيارُ. وقال الشَّافِعِىُّ: تَصَرُّفُ البَائِعِ فى المَبِيعِ بِالبَيْعِ والهِبَةِ ونَحْوِهِما صَحِيحٌ؛ لأنَّه إمَّا أن يَكونَ على مِلْكِه فيُمَلّكُ بِالعَقْدِ (٢٠) عليه، وإمَّا أن يَكونَ لِلْمُشْتَرِى، والبائِعُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فجَعَلَ البَيْعَ والهِبَةَ فَسْخًا. وأمَّا تَصَرُّفُ المُشْتَرِى، فلا يَصِحُّ إذا قلنا: المِلْكُ لِغَيْرِه. وإنْ قلنا: المِلْكُ له. فَفِى صِحَّةِ تَصَرُّفِه وَجْهانِ. ولنا، على إبْطَالِ تَصَرُّفِ البَائِعِ، أنَّه تَصَرَّفَ فى مِلْكِ غيرِه بغيرِ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، ولا نِيابَةٍ عُرْفِيَّةٍ، فلم يَصِحَّ، كما بعد الخِيارِ. وقَوْلُهم (٢١): يَمْلِكُ الفَسْخَ. قلنا: إلَّا أنَّ ابتداءَ التَّصَرُّفِ لم يُصادِفْ مِلْكَه، فلم يَصِحَّ، كَتَصَرُّفِ الأبِ فيما وَهَبَ لِوَلَدِهِ قبلَ اسْتِرْجاعِه، وتَصَرُّفِ الشَّفيعِ فى الشِّقْصِ المَشْفُوعِ قبلَ أخْذِهِ.

فصل: وإن تَصَرَّفَ المُشْتَرِى بإذْنِ البائِعِ، أو البائِعُ بِوِكالَةِ المُشْتَرِى، صَحَّ التَّصَرُّفُ، وانْقَطَعَ خِيارُهما؛ لأنَّ ذلك يَدُلُّ على تَراضِيهِما بإمْضاءِ البَيْعِ، فَيُقْطَعُ


= يقبض العبد المتاع، وباب من أهدى له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق. . .، وباب إذا وهب بعيرا لرجل وهو راكب فجائز، من كتاب الهبة. صحيح البخارى ٣/ ٨٥، ٢٠٩، ٢١٢، ٢١٣.
(٢٠) فى الأصل: "العقد".
(٢١) فى م: "قولهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>