للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحُكْمُ في ذلك كالحُكْمِ في سَفَرِ الحجِّ، على ما ذكرْنا من التَّفْصيلِ. وإذا مَضَتْ إلى مَقْصِدِها، فلها الإِقامةُ حتى تَقْضِىَ ما خَرَجَتْ إليه، وتَنْقَضِىَ حاجَتُها من تِجارةٍ أو غيرِها. وإن كان خُرُوجُها لنُزْهةٍ أو زيارةٍ، أو لم (١٥) يكُنْ قَدَّرَ لها مُدَّةً، فإنَّها تُقِيمُ إقامةَ المُسافرِ ثلاثًا، وإن كان (١٦) قَدّرَ لها مُدّةً، فلها إقامَتُها؛ لأنَّ سَفَرَها بحُكْمِ إذْنِه، فكان لها إقامةُ ما أَذِنَ لها فيه، فإذا مَضَتْ مُدَّتُها، أو قَضَتْ حاجَتَها، ولم يُمْكِنْها الرُّجوعُ؛ لخَوْفٍ أو غيرِه، أتَمَّتِ العِدَّةَ في مكانِها، وإن أمْكنها الرُّجوعُ، لكن لا يُمْكِنُها الوُصولُ إلى منزِلها حتى تَنْقَضِىَ عِدّتُها، لَزِمَتْها الإِقامةُ في مكانِها؛ لأنَّ الاعْتدادَ وهى مُقِيمةٌ أَوْلَى من الإِتْيانِ بها في السفرِ. وإن كانت تَصِلُ وقد بَقِىَ من عِدَّتِها شيءٌ، لَزِمَها العَوْدُ؛ لتأْتِىَ بالعِدَّةِ في مكانِها.

فصل: وإن أَذِنَ الزَّوجُ لها في الانْتِقالِ إلى دارٍ أُخْرَى، أو بلدٍ آخَرَ، فمات قبلَ انْتقالِها، لَزِمهَا الاعْتِدادُ في الدَّارِ التي هي بها؛ لأنَّها بَيْتُها، وسواءٌ مات قبلَ نَقْلِ مَتاعِها أو بعدَه؛ لأنَّها مَسْكَنُها، ما (١٧) لم تَنْتَقِلْ عنه. وإن مات بعَد انْتقالِها إلى الثانيةِ، اعْتَدَّتْ فيها؛ لأنَّها مَسْكَنُها، وسواءٌ كانتْ قد نَقَلَتْ مَتاعَها، أو لم تَنْقُلْه. وإن مات وهى بينهما، فهى مُخَيَّرةٌ؛ لأنَّها لا مَسْكَنَ لها منهما، فإنَّ الأُولَى قد خَرَجَتْ عنها مُنْتَقِلةً، فخَرَجَتْ عن كَوْنِها مَسْكنًا لها، والثانية لم تَسْكُنْ بها، فهما سَواءٌ. وقيل: يَلْزَمُها الاعْتدادُ في الثانيةِ؛ لأنَّها المسكنُ الذي أَذِنَ لها زوجُها في السُّكْنَى به. وهذا يُمْكنُ في الدارَيْنِ، فأمَّا إذا كانا بَلَدينِ، لم يَلْزَمْها الانْتِقالُ إلى البلدِ الثاني بحالٍ؛ لأنَّها إنَّما كانت تَنْتقِلُ لغَرَضِ زَوْجِها في صُحْبَتِها إيَّاه، وإقامَتِها معه، فلو ألْزَمْناها ذلك بعدَ مَوْتِه، لَكَلّفْناها السّفَرَ الشاقَّ، والتَّغَرُّبَ عن وَطَنِها وأهْلِها، والمُقامَ مع غيرِ مَحْرَمِها، والمُخاطرةَ بنَفْسِها، مع فواتِ الغَرَضِ، وظاهرُ حالِ الزَّوجِ أنَّه لو عَلِمَ أنَّه يَموتُ، لَما


(١٥) في أ: "ولم".
(١٦) سقط من: م.
(١٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>