للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّ وَاحِدٍ منهما. ويَدُلُّ أيضًا على أنَّه لا يَحِلُّ إلَّا بعدَ التَّقْصِيرِ، وهذا يَنْبَنِى على أنَّ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ، وهو المَشْهُورُ، فلا يَحِلُّ إلَّا به. وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ، فيَحِلُّ بِالطَّوَافِ والسَّعْىِ حَسْبُ. وسَنَذْكُرُ ذلك، إن شاءَ اللهُ تعالى. فإنْ تَرَكَ التَّقْصِيرَ أو الحَلْقَ، وقُلْنا: هو نُسُكٌ. فعليه دَمٌ. وإن وَطِئَ قبلَ التَّقْصِيرِ، فعليه دَمٌ، وعُمْرَتُه صَحِيحَةٌ. وبهذا قال مالِكٌ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن الشَّافِعِىِّ أنَّ عُمْرَتَهُ تَفْسُدُ؛ لأنَّه وَطِئَ قبلَ حِلِّه مِن عُمْرَتِه. وعن عَطَاءٍ، قال: يَسْتَغْفِرُ اللهَ تعالى. ولنَا، ما رُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّه سُئِلَ عن امْرَأةٍ مُعْتَمِرَةٍ، وقَع بها زَوْجُها قبلَ أن تُقَصِّرَ. قال: مَن تَرَكَ مِن مَنَاسِكِه شَيْئًا، أو نَسِيَه، فَلْيُهْرِقْ دَمًا (٢٠). قيل: إنَّها مُوسِرَةٌ. قال: فلْتَنْحَرْ نَاقَةً. ولأنَّ التَّقْصِيرَ ليس بِرُكْنٍ، فلا يَفْسُدُ النُّسُكُ بِتَرْكِه، ولا بِالْوَطْءِ قبلَه، كَالرَّمْىِ فى الحَجِّ. قال أحمدُ، فى مَن وَقَعَ على امْرَأتِه قبلَ تَقْصِيرِها من عُمْرَتِها: تَذْبَحُ شَاةً. قيل: عليه أو عليها؟ قال: عليها هى. وهذا مَحْمُولٌ على أنَّها طَاوَعَتْهُ. فإنْ أكْرَهَها، فالدَّمُ عليه. وإن أَحْرَمَ بِالحَجِّ قبلَ التَّقْصِيرِ، فقد أدْخَلَ الحَجَّ على العُمْرَةِ، فيَصِيرُ قَارِنًا.

فصل: يَلْزَمُ التَّقْصِيرُ أو الحَلْقُ من جميعِ شَعْرِهِ، وكذلك المَرْأَةُ. نَصَّ عليه. وبه قال مَالِكٌ. وعن أحمدَ، يُجْزِئُه البَعْضُ. مَبْنِيًّا على المَسْحِ فى الطَّهَارَةِ. وكذلك قال ابنُ حامِدٍ. وقال الشَّافِعِىُّ: يُجْزِئُه التَّقْصِيرُ من ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ. واخْتَارَ ابنُ المُنْذِرِ أَنَّه يُجْزِئُه ما يَقَعُ عليه اسْمُ التَّقْصِيرِ؛ لتَنَاوُلِ اللَّفْظِ (٢١) له. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (٢٢). وهذا عَامٌّ فى جَمِيعِه، ولأنَّ


(٢٠) تقدَّم قوله: "من ترك نسكا فعليه دم". وتقدم تخريجه فى صفحة ٦٩.
(٢١) فى الأصل: "اسم التقصير".
(٢٢) سورة الفتح ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>