للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: لا، فتَأَخَّرَ، فقِيل: لم لا تُصَلِّى (٦) عليه؟ : فقال: "مَا تَنْفَعُه صَلَاتِى وَذِمَّتُهُ مَرْهُوَنَةٌ؟ أَلا (٧) قامَ أحَدُكُم فضَمِنَهُ". فقام أبو قَتادَةَ، فقال: هما عَلَىَّ يا رسولَ اللهِ، فَصَلَّى عليه النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجْمَعَ المُسلمونَ على جَوَازِ الضَّمَانِ في الجُمْلَةِ. وإنما اخْتَلَفُوا في فُرُوعٍ نَذْكُرُها إن شاءَ اللهُ تعالى. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يقال: ضَمِينٌ، وكَفِيلٌ، وقَبِيلٌ، وحَمِيلٌ، وزَعِيمٌ، وصَبِيرٌ، بِمَعْنًى واحِدٍ. ولا بُدَّ في الضَّمَانِ من ضَامِنٍ، ومَضْمُونٍ عنه، ومَضْمُونٍ له. ولا بُدَّ من رِضَى الضَّامِنِ، فإنْ أُكْرِهَ على الضَّمَانِ لم يَصِحَّ، ولا يُعْتَبَرُ رِضَى المَضْمُونِ عنه. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. لأنَّه لو قُضِىَ الدَّيْنُ عنه بغير إِذْنِه ورِضاهُ صَحَّ، فكذلك إذا ضُمِنَ عنه. ولا يُعْتَبَرُ رِضَى المَضْمُونِ له. وقال أبو حنيفةَ ومحمدٌ: يُعْتَبَرُ؛ لأنَّه إِثْبَاتُ مَالٍ لآدَمِىٍّ، فلم يَثْبُتْ إلَّا بِرِضَاهُ أو رِضَى من يَنُوبُ عنه، كالبَيْعِ والشِّرَاءِ. وعن أصْحَابِ الشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أن أبا قَتَادَةَ ضَمِنَ من غيرِ رِضَى المَضْمُونِ عنه، فأجَازَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكذلك رُوِىَ عن علىٍّ رَضِىَ اللَّه عنه، ولأنَّها وَثِيقَةٌ لا يُعْتَبَرُ فيها قَبْضٌ، فأَشْبَهَتِ الشَّهَادَةَ، ولأنَّه ضَمانُ دَيْنٍ، فأشْبَهَ ضَمانَ بعضِ الوَرَثَةِ دَيْنَ المَيِّتِ لِلْغَائِبِ، وقد سَلَّمُوهُ.

فصل: ولا يُعْتَبَرُ أن يَعْرِفَهُما الضَّامِنُ. وقال القاضي: يُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهما، لِيَعْلَم هل المَضْمُونُ عنه أَهْلٌ لِاصْطِنَاعِ المَعْرُوفِ إليه أولا؟ ولِيَعْرِفَ المَضْمُونَ له، فَيُؤَدِّىَ إليه. وذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ، أنَّه تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ المَضْمُونِ له لذلك. ولا تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ المَضْمُونِ عنه؛ لأنَّه لا مُعَامَلَةَ بينَه وبينَه. ولأَصْحابِ الشَّافِعِىِّ ثَلَاثَةُ أوْجُهٍ نحو هذه (٨). ولَنا، حَدِيثُ عَلِىٍّ وأبى قَتادَةَ، فإنَّهما ضَمِنَا لمن لم يَعْرِفَاهُ عَمَّنْ لم يَعْرِفَاهُ. ولأنَّه تَبَرُّعٌ بالْتِزَامِ مَالٍ، فلم يُعْتَبَرْ مَعْرِفَةُ من يَتَبَرَّعُ له به، كالنَّذْرِ.

فصل: وقد دَلَّتْ مَسْأَلَةُ الخِرَقِىِّ على أحْكامٍ؛ منها، صِحَّةُ ضَمانِ المَجْهُولِ؛


(٦) في النسخ: "تصل".
(٧) في م زيادة: "إن".
(٨) في ب: "هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>