للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والَّذى قَصَدَ الإِضْرارَ لم يَقْصِدِ الإِصْلاحَ. ولَنا، أَنَّهُ طَلاقٌ فى نِكاحٍ مَدْخُولٍ بها فيه، فأَوْجَبَ عِدَّةً كَامِلَةً، كما لو لم يَتَقَدَّمْهُ طَلاقٌ؛ وهذا لأنَّ الطَّلْقَةَ الأُولَى شَعَّثَتِ النِّكاحَ، والرَّجْعَةَ لَمَّتْ شَعَثَهُ، وقَطَعَتْ عَملَ الطَّلاقِ، فصارَ الطَّلاقُ الثَّانِى فى نِكاحٍ غيرِ مُشَعَّثٍ مَدْخُولٍ بها فيه، فأَوْجَبَ عِدَّةً كالأَوَّلِ، وكما لو ارْتَدَّتْ ثم أَسْلَمَتْ ثم طَلَّقَهَا، فَإنَّها تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً، كذا ههُنا. ويُفارِقُ الطَّلاقَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ. فإنَّهُ جاءَ بَعْدَ طَلاقٍ مُفْضٍ إلى بَيْنُونَةٍ. فإنْ راجَعَها ثم دخَلَ بها، ثم طَلَّقَها، فإنَّها تَسْتَأْنِفُ عِدَّةٌ بِغيرِ اخْتِلافٍ بينَ أَهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ صار كالنَّاكِحِ ابْتِداءً إذا وَطِئَ.

فصل: وإِنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ، أو فُسِخَ النِّكَاحُ ثم نَكَحَها فِى عِدَّتِها، ثم طَلَّقَها؛ فإنْ كان دَخَلَ بها، فعليها الْعِدَّةُ، بلا خِلافٍ؛ لأنَّه طَلاقٌ فى نِكاحٍ مَدْخُولٍ بها فيه، لم يَتَقَدَّمْهُ طَلاقٌ سِوَاهُ. وإِنْ لم يكنْ دَخَلَ بها، بَنَتْ على العِدَّةِ الْأُولَى، فى الصَّحِيحِ مِن المَذْهَبِ. وعنه، أنَّها تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ. وهو قَوْلُ أبى حَنِيفَةَ؛ لأنَّ النِّكَاحَ أَقْوَى مِن الرَّجْعَةِ، ولو طَلَّقَها بعدَ الرَّجْعَةِ، اسْتَأْنَفَتِ العِدَّةَ، فههُنا أَوْلَى. ولَنا، أَنَّهُ طَلاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لم يُصِبْها فيه، فلم تَجِبْ به عِدَّةٌ، كما لو نَكَحَها بعدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِها. وفارَقَ الرَّجْعَةَ؛ لأنَّها رَدَّتِ الْمَرْأَةَ إلى النِّكاحِ الأَوَّلِ، فكان الطَّلاقُ الثَّانِى فى نِكاحٍ اتَّصَلَ به الدُّخُولُ، وهذا النِّكاحُ جَدِيدٌ بعدَ البَيْنُوَنَةِ مِن الأوَّلِ (٥)، ولم يُوجَدْ فيه دُخُولٌ، فأشْبَهَ التَّزْوِيجَ بعدَ قَضاءِ العِّدَّةِ. وأمَّا بِناؤُها على العِدَّةِ الأُولَى، فلِأنَّها إنَّما قُطِعَ فى (٦) حُكْمِها النِّكاحُ، وقد زالَ، فيَعُودُ إليها. ولو أسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ ثم أسْلَمَ فى عِدَّتِها، أو أسْلَمَ هو ثم أَسْلَمَتْ هى فى عِدَّتِها، وطَلَّقَها قبلَ وَطْئِه أو بَعْدَهُ، أو ارْتَدَّتْ ثم أَسْلَمَتْ ثم طَلَّقَهَا، فعليها عِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، بلا خِلافٍ؛ لأنَّه طَلاقٌ فِى نِكاحٍ وَطِئَ فيه، أشْبَهَ الطَّلاقَ فى النِّكَاحِ الأَوَّلِ.

فصل: ومتى وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ، وقَلْنا: إِنَّ الوَطْءَ لا تَحْصُلُ به الرَّجْعَةُ، فعليها أَنْ


(٥) فى م: "الأولى".
(٦) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>