للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (٥٦). ولأنَّ القَصْدَ بالتَّرْكِ لكلامِه هِجْرانُه، ولا يَحْصُلُ مع مُواصَلتِه بالرُّسُلِ والكُتُبِ. ويَحْتمِلُ أن لا يَحنَثَ إلَّا أن يَنْوِىَ ترْكَ ذلك؛ لأنَّ هذا ليس بتكْليمٍ حقيقةً، ولو حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّه، لم يَبَرَّ بذلك، إلَّا أن يَنوِيَه، فكذلك لا يحْنَثُ به. ولو حَلَفَ لا يُكلِّمُه، فأرْسلَ إنْسانًا يَسْألُ أهلَ العلمِ عن مسْألةٍ أو حديثٍ، فجاءَ الرَّسولُ، فسألَ المحْلوفَ عليه، لم يَحنَثْ بذلك. وإن حَلَفَ لا يُكَلِّمُ امْرأتَه، فجامعَها، لم يَحْنَثْ، إلَّا أن تكونَ نِيَّتُه هِجْرانَها. قال أحمدُ، فى رجلٍ قال لامرأتِه: إن كلَّمْتُك خمسةَ أيّامٍ فأنتِ طالقٌ. ألَهُ أن يُجامِعَها ولا يُكلِّمَها؟ فقال: أىُّ شىءٍ كان بُدُوُّ هذا أيَسُوءُها أو يَغِيظُها؟ فإن لم يَكُنْ له نِيَّةٌ، فله أن يُجَامعَها ولا يُكلِّمَها. وإن حَلَفَ لا يَقْرأُ كتابَ فلانٍ. فقرأه فى نفسهِ، ولم يُحَرِّكْ شَفتَيْه به، حَنِثَ؛ لأنَّ هذا قراءةُ الكُتُبِ فى عُرْفِ النَّاسِ، فتَنْصرِفُ يَمينُه إليه، إلَّا أن يَنْوِىَ حقيقةَ القراءةِ. قال أحمدُ: إذا حَلَفَ: لا قَرأْتُ لفلانٍ كتابًا. ففتَحَه حتى اسْتَقْصَى آخِرَه، إلَّا أنَّه لم يُحرِّكْ شَفتَيْه، فإن أراد أن لا يَعْلمَ ما فيه، فقد عَلِمَ ما فيه وقرأه.

فصل: فإن قال لامرأتِه: إن بدَأْتُك بالكلامِ فأنتِ طالقٌ. فقالتْ: إن بَدأْتُك بالكلامِ فعَبْدِى حُرٌّ. انْحَلَّتْ يَمينُه؛ لأنَّها (٥٧) لمَّا خاطبَتْه بيَمينِها، فاتَتْه البدايةُ بكلامِها، وبَقِيَتْ يَمينُها مُعلَّقةً، فإن بدَأها بكلامٍ انحَلَّتْ يَمِينُها أيضًا، وإن بَدأَتْه هى، عَتَقَ عبدُها. هكذا ذكرَه أصحابُنا. ويَحْتمِلُ أنَّه إن بَدأَها بالكلامِ (٥٨) فى وقتٍ آخَرَ، حَنِثَ؛ لأنَّ ذلك يُسَمَّى بدايةً، فتناولَتْه يَمينُه، إلَّا أن يَنْوِىَ تركَ البدايةِ فى هذا الوقتِ، أو هذا المجلسِ، فيَتقيَّدَ به.

فصل: فإن قال لامرأتَيْه: إن كلَّمْتُما هذينِ الرَّجلَيْنِ فأنتُما طالقتانِ. فكلَّمَتْ كلُّ


(٥٦) سورة الشورى ٥١.
(٥٧) فى أ، ب، م: "لأنه".
(٥٨) فى أ: "بكلام".

<<  <  ج: ص:  >  >>