للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْصَرِفُ إلى سُنَّةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَما كان. ورَوَى سعيدٌ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، حدَّثنا (٨) جُوَيْبِر (٩)، عن الضَّحَّاكِ، عن حُذَيْفَةَ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ ومُؤَذِّنٌ، فَالِاعْتِكَافُ فيه يَصْلُحُ" (١٠). ولأنَّ قَوْلَهَ تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (١١) يَقْتَضِى إباحَةَ الاعْتِكافِ فى كُلِّ مَسْجِدٍ، إلَّا أنَّه يُقَيَّدُ بما تُقَامُ فيه الجماعةُ بالأخْبارِ، والمَعْنَى الذى ذَكَرْنَاهُ، ففِيما عَدَاهُ يَبْقَى على العُمُومِ. وقولُ الشَّافِعِىِّ فى اشْتِرَاطِه مَوْضِعًا تُقامُ فيه الجُمُعَةُ، لا يَصِحُّ؛ لِلأخْبارِ، ولأنَّ الجُمُعَةَ لا تَتَكَرَّرُ، فلا يَضُرُّ وُجُوبُ الخُرُوجِ إليها، كما لو اعْتَكَفَتِ المَرْأَةُ مُدَّةً يَتَخَلَّلُها أيَّامُ حَيْضِها. ولو كان الجامِعُ تُقَامُ فيه الجُمُعَةُ وَحْدَها، ولا يُصَلَّى فيه غيرُها، لم يَجُز الاعْتِكافُ فيه. ويَصِحُّ عند مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. ومَبْنَى الخِلافِ على أنَّ الجماعةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنا، فيَلْتَزِمُ الخُرُوجَ من مُعْتَكَفِه إليها، فيَفْسُدُ اعْتِكافُه، وعندَهم ليستْ وَاجِبَةً.

فصل: وإن كان اعْتِكَافُه مُدَّةً غيرَ وَقْتِ الصلاةِ؛ كلَيْلَةٍ أو بعضِ يَوْمٍ، جازَ فى كلِّ مسجدٍ؛ لِعَدَمِ المانِعِ. وإن كانتْ تُقَامُ فيه فى بعضِ الزَّمانِ، جازَ الاعْتِكافُ فيه فى ذلك الزَّمَانِ دونَ غيرِه. وإن كان المُعْتَكِفُ مِمَّنْ لا تَلْزَمُه الجماعَةُ، كالمَرِيضِ، والمَعْذُورِ، ومَن هو فى قَرْيَةٍ لا يُصَلِّى فيها سِوَاه، جازَ اعْتِكافُه فى كل مسجدٍ؛ لأنَّه لا تَلْزَمُه الجماعةُ، فأشْبَهَ المَرْأَةَ. وإن اعْتَكَفَ اثْنانِ فى مسجدٍ لا تُقَامُ فيه جماعةٌ، فأقاما الجماعةَ فيه، صحَّ اعتِكافُهما؛ لأنَّهما أقاما الجماعةَ، فأشْبَهَ ما لو أقامَها فيه غيرُهما.


(٨) فى ب، م: "أنبأنا".
(٩) فى النسخ: "جرير". والتصويب من حاشية ب، وسنن الدارقطنى. وهو جويبر بن سعيد الأزدى. انظر ترجمته فى: تهذيب التهذيب ٢/ ١٢٣.
(١٠) أخرجه الدارقطنى، فى: باب الاعتكاف، من كتاب الصِّيام. سنن الدارقطنى ٢/ ٢٠٠. وانظر فيض القدير ٥/ ٣٠.
(١١) سورة البقرة ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>