عليه (١٩). ولِلْبُخَارِىِّ:"أَفْضَلُكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً". ولأنَّه لم يَجْعَلْ تلك الزِّيَادَةَ عِوَضًا فى القَرْضِ، ولا وَسِيلَةً إليه، ولا إلى اسْتِيفَاءِ دَيْنِه، فحَلَّتْ، كما لو لم يكُنْ قَرْضٌ. وقال ابنُ أبى موسى: إذا زَادَهُ بعدَ الوَفاءِ، فعادَ المُسْتَقْرِضُ بعدَ ذلك يَلْتَمِسُ منه قَرْضًا ثانيا، ففَعَلَ، لم يَأْخُذْ منه إلَّا مِثْلَ ما أَعْطَاهُ، فإن أخَذَ زِيَادَةً، أو أَجْوَدَ مِمَّا أَعْطاهُ، كان حَرَامًا، قَوْلًا واحِدًا. وإن كان الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِحُسْنِ القَضَاءِ، لم يُكْرَهْ إقْرَاضُه. وقال القاضِى: فيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُكْرَهُ؛ لأنَّه يَطْمَعُ فى حُسْنِ عَادَتِه. وهذا غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مَعْرُوفًا بِحُسْنِ القَضَاءِ، فهل يَسُوغُ لأحَدٍ أن يقولَ: إنَّ إقْرَاضَهُ مَكْرُوهٌ. ولأنَّ المَعْرُوفَ بِحُسْنِ القَضَاءِ خيرُ النَّاسِ وأَفْضَلُهم، وهو أَوْلَى النَّاسِ بِقَضاءِ حَاجَتِه، وإِجَابَةِ مَسْأَلَتِه، وتَفْرِيجِ كُرْبَتِه، فلا يجوزُ أن يكونَ ذلك مَكْرُوهًا، وإنما يُمْنَعُ من الزِّيَادَةِ المَشْرُوطَةِ. ولو أَقْرَضَهُ مُكَسَّرَةً، فجاءَهُ مَكانَها بِصِحَاحٍ بغيرِ شَرْطٍ، جَازَ. وإن جَاءَهُ بِصِحَاحٍ أقَلَّ منها، فأَخَذَها بجَمِيعِ حَقِّه، لم يَجُزْ، قولًا واحِدًا؛ لأنَّ ذلك مُعاوَضَةٌ لِلنَّقْدِ بأَقَلَّ منه، فكان رِبًا.
فصل: وإن شَرَطَ فى القَرْضِ أن يُوَفِّيَهُ أَنْقَصَ ممَّا أَقْرَضَهُ، وكان ذلك ممَّا يَجْرِى فيه الرِّبَا، لم يَجُزْ؛ لإِفْضَائِه إلى فَوَاتِ المُمَاثَلَةِ فيما هى شَرْطٌ فيه. وإن كان فى غيرِه، لم يَجُزْ أيضا. وهو أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحَابِ الشَّافِعِىَّ، وفى الوَجْهِ الآخَرِ، يجوزُ؛ لأنَّ القَرْضَ جُعِلَ لِلرِّفْقِ بالمُسْتَقْرِضِ، وشَرْطُ النُّقْصَانِ لا يُخْرِجُه عن مَوْضُوعِه، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ. ولَنا، أنَّ القَرْضَ يَقْتَضِى المِثْلَ، فشَرْطُ النُّقْصَانِ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ. فلم يَجُزْ، كَشَرْطِ الزِّيادَةِ.
فصل: ولو اقْتَرَضَ من رَجُلٍ نِصْفَ دِينَارٍ، فدَفَعَ إليه دِينَارًا صَحِيحًا، وقال: نِصْفُه قَضَاءٌ، ونِصْفُه وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ، أو سَلَمًا فى شىءٍ، صَحَّ. وإن امْتَنَعَ المُقْرِضُ