للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا قِصاصَ على الأوَّل في النّفْسِ؛ لأنَّ قَطْعَ الثاني قَطْعُ سِرَايَةٍ، قَطَعهُ ومات بعدَ زَوالِ جِنَايَتِه، فأشْبَهَ ما لو انْدَمَلَ جُرْحُه. وقال مالك: إن قَطَعَه الثاني عَقِيبَ قَطْعِ الأوَّلِ، قُتِلا جميعًا، وإن عاش بعدَ قَطْعِ الأوَّلِ حتى أكَلَ وشَرِبَ، ومات عَقِيبَ قطعِ الثاني، فالثاني هو القاتلُ وحدَه، وإن عَاش بعدَهما حتى أكَلَ وشَرِبَ، فللأَوْلياءِ أن يُقْسِمُوا على أَيِّهِما شاءُوا ويَقْتُلُوه. ولَنا، أنَّهما قَطْعانِ لو مات بعدَ كلِّ واحدٍ منهما وحدَه، لوَجَبَ عليه القِصاصُ، فإذا مات بعدَهما، وجَبَ عليهما القِصاصُ، كما لو كان في يَدَيْنِ، ولأنَّ القَطْعَ الثانيَ لا يَمْنَعُ جِنايَتَه بعدَه، فلا يَسْقُطُ حُكْمُ ما قبلَه، كما لو كان في يَدَيْنِ، ولا نُسَلِّمُ زَوَالَ جنايَتِه، ولا قَطْعَ سِرَايَتِهِ، فإنَّ الألمَ الحاصِلَ بالقَطْعِ الأوَّلِ لم يَزُلْ، وإنَّما انْضَمَّ إليه الألَمُ الثاني، فضَعُفَتِ (١٢) النَّفْسُ عن احْتِمالهما (١٣)، فزَهَقَتْ بهما، فكان (١٤) القَتْلُ بهما، ويُخالِفُ الانْدِمالَ؛ فإنَّه لا يَبْقَى معه الألمُ الذي حَصَلَ في الأعْضاءِ الشَّرِيفةِ، فاخْتَلَفا. فإن ادَّعَى الأوَّلُ أنَّ جُرْحَه انْدَمَلَ، فصَدَّقَه الولِيُّ، سَقَطَ عنه القتلُ، ولَزِمَه القِصاصُ في اليَدِ أو نِصْفُ الدِّيَةِ، وإن كَذَّبَه شَرِيكُه، واخْتارَ الوَلِيُّ القِصاصَ، فلا فائِدةَ له في تَكْذِيبهِ؛ لأنَّ قَتْلَه واجِبٌ، وإن عَفَا عنه إلى الدِّيَةِ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه، ولا يَلْزَمهُ أكثرُ من نِصْفِ الدِّيَةِ. وإن كَذَّبَ الوليُّ الأوَّلَ، حَلَفَ، وكان له قَتْلُه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ ما ادَّعاه. ولو ادَّعَى الثاني انْدِمالَ جُرْحِه، فالحكمُ فيه كالحُكْمِ في الأوَّلِ إذا ادَّعَى ذلك.

١٤٢٩ - مسألة؛ قال: (وَإذَا قَطَعُوا يَدًا (١)، قُطِعَتْ نَظِيرَتُهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمْ)

وجملتُه أنَّ الجماعةَ إذا اشْتَرَكُوا في جُرْحٍ مُوجِبٍ للقِصاصِ، وَجَبَ القِصاصُ على


(١٢) في الأصل: "فضعف".
(١٣) في ب، م: "احتمالها".
(١٤) في م: "فكل".
(١) في ب، م: "بها".

<<  <  ج: ص:  >  >>