للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعِهِم. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال الحسنُ، والزُّهْرِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْيِ، وابنُ المُنْذِرِ: لا تُقْطَعُ يَدانِ بيَدٍ واحدةٍ. ويتَعَيّنُ ذلك وَجْهًا في مذهبِ أحمدَ؛ لأنَّه رُوِيَ عنه أنَّ الجماعةَ لا يُقْتَلُونَ بالواحدِ. وهذا تَنْبِيهٌ على أنَّ الأطْرافَ لا تُؤْخَذُ بطَرَفٍ واحدٍ؛ لأنَّ الأطرافَ يُعْتَبرُ التَّساوِي فيها، بدَلِيلِ أنَّا لا نأْخُذُ الصَّحِيحةَ بالشَّلَّاءِ، ولا كامِلَةَ الأصابِعِ بنَاقِصَتِها، ولا أصْلِيَّةً بزائدةٍ، ولا زائدةً بأصْليَّةٍ، ولا يَمِينًا بيَسارٍ، ولا يَسارًا بيَمِينٍ، ولا نُساوِي بينَ الطَّرَفِ والأطْرافِ، فوَجَبَ امْتِناعُ القِصاصِ بينهما، ولا يُعْتَبَرُ التَّساوِي في النَّفْسِ، فإنَّنا نأخذُ الصَّحِيحَ بالمَرِيضِ (٢)، وصَحِيحَ الأطرافِ بمَقْطُوعِها وأشَلِّها، ولأنَّه يُعْتبَرُ في القِصاصِ في الأطْرافِ التَّساوِي في نَفْسِ القَطْعِ، بحيث لو قطَع كلُّ واحدٍ من جانبٍ، لم يجبِ القِصاصُ، بخلافِ النَّفْسِ، ولأنَّ الاشْتراكَ المُوجِبَ للقِصاصِ في النفسِ يَقَعُ كثيرًا، فوَجَبَ القِصاصُ زَجْرًا عنه، كيْلا يُتَّخَذَ وَسِيلةً إلى كَثْرةِ القَتْلِ، والاشتراكُ المُخْتَلَفُ فيه لا يَقَعُ إلَّا في غايةِ النُّدْرَةِ، فلا حاجةَ إلى الزَّجْرِ عنه، ولأنَّ إيجابَ القِصاصِ على المُشْترِكِينَ في النَّفْسِ يَحْصُلُ به الزَّجْرُ عن كلِّ اشْتراكٍ، أو عن (٣) الاشْتِراكِ المُعْتادِ، وإيجابُه على (٤) المُشْترِكينَ في الطَّرَفِ، لا يحْصُلُ به الزَّجْرُ عن الاشْتِراكِ المُعْتادِ، ولا عن شيءٍ من الاشْتِراكِ، إلَّا عن (٥) صُورَةٍ نادرةِ الوُقُوعِ، بعيدةِ الوُجُودِ، يُحْتاجُ في وُجُودِها إلى تَكَلُّفٍ، فإيجابُ القِصاصِ للزَّجْرِ عنها يكونُ مَنْعًا لشىءٍ مُمْتَنِعٍ بنَفسِه لصُعُوبَتِه، وإطْلاقًا في القَطْعِ السَّهْلِ المُعْتادِ بنَفْيِ القِصاصِ عن فاعِلِه، وهذا لا فائِدةَ فيه، بخلافِ الاشْتِراكِ في النَّفْسِ، يُحَقِّقُه أنَّ وُجُوبَ القِصاصِ على (٦) الجماعةِ بواحدٍ في النَّفْسِ والطَّرَفِ على خلافِ الأصْلِ، لكَوْنِه يَأْخُذُ في الاسْتِيفاءِ زِيادَةً على ما فوَّتَ


(٢) في ب: "والمريض".
(٣) في ب: "وعن".
(٤) في ب، م: "عن".
(٥) في م: "على".
(٦) في ب: "عن".

<<  <  ج: ص:  >  >>