للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيَحْتَمِلُ أن تَجِبَ على صاحِبِ الرَّقَبةِ. هذا الذي ذَكَرَه الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ مَذْهَبًا لأحمدَ، وهو قولُ أبي ثورٍ، وظاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ النَّفَقةَ على الرَّقَبةِ، فكانت على صاحِبِها، كالعَبْدِ المُسْتَأْجَرِ، وكما لو لم يكُنْ له (١٦) مَنْفَعةٌ. قال الشَّرِيفُ: ولأن الفِطْرَةَ تَلزمُه، والفِطْرَةُ تَتْبَعُ النَّفَقةَ، ووُجُوبُ التابِعِ على إنْسانٍ دَلِيلٌ على وُجُوبِ المَتْبُوعِ عليه. ويَحْتَمِلُ أن يجبَ [على صاحبِ] (١٧) المَنْفَعَةِ. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأْىِ، والإِصْطَخْرِيِّ (١٨)، وهو أصَحُّ، إن شاءَ اللهُ تعالى؛ لأنَّه يَمْلِكُ نَفْعَه على التَّأْبِيدِ، فكانت النَّفَقةُ عليه، كالزَّوْجِ، ولأنَّ نَفْعَه له، فكان عليه ضُرُّه، كالمالِكِ لهما جَمِيعًا، يُحَقِّقُه أنَّ إِيجابَ النَّفَقةِ على مَنْ لا نَفْعَ له ضَرَرٌ مُجَرَّدٌ، فيَصِير معنى الوَصِيَّةِ: أوْصَيْتُ لك بنَفْعِ عَبْدِى، وأَبْقَيْتُ على وَرَثَتِى ضُرَّه. وإن وَصَّى بنَفْعِه لإِنْسانٍ، ولآخَرَ بِرَقَبَتِه، كان مَعْناه: أوْصَيْتُ لهذا بنَفْعِه، ولهذا بضُرِّه. والشَّرْعُ يَنْفِى هذا بقوله: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" (١٩). ولذلك جَعَلَ الخَرَاجَ بالضَّمَانِ، ليكونَ ضُرُّه على مَنْ له نَفْعُه. وفارَقَ المُسْتَأْجَرَ، فإنَّ نَفْعَه في الحَقِيقةِ لِلْمُؤْجِرِ؛ لأنَّه يأْخُذُ الأَجْرَ عِوَضًا عن مَنَافِعِه. وقيل: تَجِبُ نَفَقَتُه في كَسْبِه. وهذا راجِعٌ إلى إِيجَابِها على صاحِبِ المَنْفَعةِ؛ لأنَّ كَسْبَه من مَنَافِعِه، فإذا صُرِفَ في نَفَقَتِه، فقد صُرِفَتِ (٢٠) المَنْفَعةُ المُوصَى بها إلى النَّفَقةِ، فصارَ كما لو صُرِفَ إليه شيءٌ من مالِه سِوَاهُ.

فصل: وإذا أعْتَقَ الوَرَثَةُ العَبْدَ، عَتَقَ، ومَنْفَعَتُه باقِيةٌ للمُوصَى له بها، ولا يَرْجِعُ على المُعْتِقِ بشيءٍ. وإن أعْتَقَهُ صاحِبُ المَنْفَعةِ، لم يَعْتِقْ؛ لأنَّ العِتْقَ لِلرَّقَبةِ، وهو لا يَمْلِكُها. وإن وَهَبَ صاحِبُ المَنْفَعةِ مَنَافِعَه لِلْعَبْدِ، وأسْقَطَها عنه، فلِلْوَرَثةِ الانْتِفَاعُ


(١٦) سقط من: م.
(١٧) سقط من: الأصل، ب، م.
(١٨) أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخرى الشافعي، قاضى قم، وأحد الرفعاء من أصحاب الوجوه. توفى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ببغداد. طبقات الشافعية الكبرى ٣/ ٢٣٠ - ٢٥٣.
(١٩) في الأصل، أ: "إضرار". وتقدم تخريجه في: ٤/ ١٤٠.
(٢٠) في أ، م: "صرف".

<<  <  ج: ص:  >  >>