للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن وصَّى إليهِ بتَفْرِيقِ ثُلُثِه، فأبَى الْوَرثَةُ (٧) إخْراجَ ثُلُثِ ما في أيْدِيهم، ففيه (٨) روايتان؛ إحداهما، يُخْرِجُ الثُّلُثَ كلَّه ممَّا في يدِه. نقلَها أبو طالِب؛ لأنَّ حقَّ المُوصَى له مُتَعلِّقٌ بأجْزاءِ التَّرِكةِ، فجازَ أن يَدْفَعَ إليه ممَّا في يدِه، كما يَدْفَعُ إلى بعضِ الورثةِ. والأُخرَى، يدفعُ إليه ثُلثَ ما في يدِه، ولا يُعطِيهم شيئا ممَّا في يدِه حتى يُخْرِجُوا ثُلْثَ ما في أيْدِيهِم. نقلَها أبو الحارثِ؛ لأنَّ صاحبَ الدَّينِ إذا كانَ للمَدِينِ في يَديْه مالٌ، لم يَملِكْ اسْتيفاءَه ممَّا في يَدَيْه، كذا ههُنا. ويُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوايتَيْن على اخْتلافِ حالَيْنِ، فالروايةُ الأُولَى محمولةٌ على ما إذا كانَ المالُ جنسًا واحدًا، فللمُوصَى أن يُخرِجَ الثُّلُثَ كلَّه ممَّا في يَدَيْه؛ لأنَّه لا فائدةَ في انتظارِ إخْراجِهم ممَّا في أيْدِيهِم، مع اتِّحادِ الجِنْسِ. والرِّوايةُ الثانيةُ مَحمولةٌ على ما إذا كانَ المالُ أجْناسًا، فإنَّ الوَصِيَّةَ تتعلَّقُ بثُلُثِ كلِّ جنسٍ، فليس له أن يُخْرِجَ عِوَضًا عن ثُلُثِ ما في أيْدِيهم ممَّا في يَدِه؛ لأنَّه مُعاوَضةٌ لا تَجوزُ إلَّا بِرِضَاهم، واللهُ أعلمُ.

فصل: إذا علِمَ الوَصِى أنَّ على الميِّتِ دَينًا، إمَّا بوَصِيَّةِ الميِّتِ أو غيرِها، فقالَ أحمدُ: لا يَقْضِيه إلَّا ببَيِّنةٍ. قيلَ له: فإن كانَ ابنُ المَيِّتِ يُصَدِّقُه؟ قال: يكونُ ذلك في حِصَّةِ مَن أقرَّ بقَدْرِ حِصَّتِه. وقالَ في مَن اسْتَوْدَعَ رجلًا ألفَ درهمٍ، وقال: إن أنا مِتُّ، فادْفعْها إلى ابنى الكَبيرِ. وله ابنانِ، أو قالَ: ادفعْها إلى أجْنبىٍّ. فقالَ: إنْ دَفَعَها إلى أحدِ الابْنَيْنِ، ضَمِنَ للآخَرِ قَدْرَ حِصَّتِه، وإن دَفَعها إلى الآخرِ، ضمِنَ. ولعلَّ هذا مِن أحمدَ فيما إذا لم يُصَدِّقِ الورثةُ الوَصِىَّ، ولم يُقِرُّوا، فلا يُقبَلُ قولُه عليهم، وليس له الدَّفْعُ بغيرِ إذْنِهم؛ لأن قولَه أقَرَّ عندى وأذِنَ لي، إثْباتُ ولايةٍ، فلا يُقْبَلُ قولُه فيه، ولا شهادتُه؛ لأنَّه يَشْهَدُ لنفسِه بالولايةِ. وقد نقلَ أبو داود، في رجلٍ أوْصَى أنَّ لفلانٍ علىَّ كذا، ينْبَغِى للوَصِىِّ أن يُنْفِذَهُ، ولا يَحِلُّ له إن لم يُنْفِذْهُ (٩). فهذه المسألةُ محمولةٌ


(٧) سقط من: أ، ب، م.
(٨) في م: "فعنه".
(٩) في أ، م: "ينفذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>