للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا نذرَ المَشْىَ إلى بيتِ اللَّهِ، أو الرُّكُوبَ إليه، ولم يُرِدْ بذلك حقيقةَ المشْىِ والرُّكوبِ، إنَّما أرادَ إتْيانَه، لَزِمَه إتْيانُه فى حجٍّ أو عُمْرةٍ، ولم يتَعيَّنْ عليه مَشْىٌ ولا رُكوبٌ؛ لأنَّه عَنَى ذلك بنَذْرِه، وهو مُحْتَمِلٌ له، فأشْبَهَ ما لو صرَّح بِه. ولو نَذَرَ أن يأتى بيتَ اللَّهِ الحرامَ، أو يذهبَ إليه، لَزِمَه (١٦) إتْيانُه فى حجٍّ أو عُمْرةٍ. وعن أبى حنيفةَ: لا يَلْزَمُه شىءٌ؛ لأنَّ مُجرَّدَ إتْيانِه ليس بقُرْبةٍ ولا طاعةٍ. وَلَنا، أنَّه علَّق نَذْرَه بوُصولِ البيتِ، فلَزِمَه، كما لو قال: للَّهِ علىَّ المشْىُ إلى الكعبةِ. إذا ثبتَ هذا، فهو مُخَيَّرٌ فى المشْىِ والرُّكوبِ. وكذلك إذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ البيتَ أو يزُورَه؛ لأنَّ الحجَّ يحْصُل بكلِّ واحدٍ من الأمْرَيْن، فلم يَتَعَيَّنْ أحدُهما، وإن قال: للَّهِ علىَّ أَنْ آتِىَ البيتَ الحرامَ، غيرَ حاجٍّ ولا مُعْتَمرٍ. لَزِمَه الحجُّ والعمْرةُ، وسقطَ شَرْطُه. وهذا أحدُ الوَجْهَيْن لأصْحابِ الشَّافعىِّ؛ لأنَّ قولَه: للَّهِ علىَّ أَنْ آتِىَ البيتَ. يقْتَضِى حَجًّا أو عُمْرةً، وشَرْطُ سُقوطِ ذلك يُناقِضُ نَذْرَه، فسقَطَ حُكْمُه.

فصل: إذا نَذَرَ المشْىَ إلى البلدِ الحرامِ، أو بُقْعةٍ منه، كالصَّفا والمروةِ وأبى قُبَيْسٍ، أو مَوْضعٍ فى الحرمِ، لَزِمَه الحجُّ أو عُمْرةٌ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَلْزَمُه إِلَّا أن ينذُرَ المشْىَ إلى الكعبةِ، أو إلى مكةَ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: إن نَذَرَ المشْىَ إلى الحَرمِ، أو إلى المسجدِ الحرامِ كقولِنا، وفى باقى الصُّوَرِ كقولِ أبى حنيفةَ. ولَنا، أنَّه نَذَرَ المشْىَ إلى موضعٍ من الحرمِ، أشْبَهَ النَّذْرَ إلى مكةَ. فأمَّا إن نذرَ المشىَ إلى غيرِ الحرمِ، كعَرَفَةَ، ومَواقِيتِ الإِحْرامِ، وغيرِ ذلك، لم يَلْزَمْه ذلك، ويكون كنَذْرِ المُباحِ. وكذلك إن نَذَرَ إتْيانَ مسجدٍ سِوَى المساجدِ الثلاثةِ، لم يَلْزَمْه إتْيانُه. وإن نذرَ الصلاةَ فيه، لَزِمَتْه (١٧) الصلاةُ دون المشْى، ففى أىِّ موضِعٍ صلَّى أَجْزَأَه؛ لأنَّ الصلاةَ لا تخُصُّ مكانًا دونَ مكانٍ، فلَزِمَتْه الصلاةُ دونَ المَوْضعِ. ولا نعْلمُ فى هذا خلافًا، إِلَّا عن اللَّيْثِ، فإنَّه قال: لو نَذَرَ صلاةً أو صيامًا بمَوْضع، لَزِمَه فِعْلُه فى ذلك الموضِعِ، ولو (١٨) نذرَ المشىَ إلى مسجدٍ، مشى إليه. قال الطَّحاوِىُّ: لم يُوافِقْه على ذلك أحدٌ من الفُقَهاءِ؛


(١٦) فى ب: "يلزمه".
(١٧) فى م: "لزمه".
(١٨) فى م: "ومن".

<<  <  ج: ص:  >  >>