للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسُرُّه، ويُسَاءُ بما يَضُرُّه، ويزوُل سُكْرُه عن قُرْبٍ من الزَّمانِ، فأشْبَهَ النَّاعِسَ، بخلافِ النَّائِمِ والمجنونِ، وأمَّا اسْتِتَابَتُه فَتُؤَخَّرُ إلى حينِ صَحْوِهِ، لِيَكْمُلَ عَقْلُه، ويَفْهَمَ ما يُقالُ له، وتُزَالَ شُبْهَةُ (٤) أن كان قد قالَ الكفرَ مُعْتقِدًا له، كما تُؤَخَّرُ اسْتتابَتُه إلى حينِ زَوالِ شِدَّةِ عَطَشِه وجُوعِه، ويُؤَخَّرُ الصَّبِىُّ إلى حِينِ بُلوغِه وكمالِ عَقْلِه، ولأنَّ القَتْلَ جُعِلَ للزَّجْرِ، ولا يَحْصُلُ الزَّجْرُ في حَالِ سُكْرِه. وإنْ قتلَه قاتِلٌ في حَالِ سُكْرِه لم يَضْمَنْهُ؛ لأنَّ عِصْمَتَه زالتْ بِرِدَّتِه. وإن مَاتَ أو قُتِلَ، لم يَرِثْه وَرَثَتُه، ولا يُقْتَلُ (٥) حتى يَتِمَّ له ثلاثةُ أيَّامٍ، ابْتداؤُها من حينَ ارْتَدَّ، فإن استمرَّ سُكْرُه أكثرَ من ثلاثٍ، لم يُقْتَلْ حتى يَصْحُوَ، ثم يُسْتَتابَ عَقِيبَ صَحْوِه، فإن تابَ، وإلَّا قُتِلَ في الحالِ. وإن أسْلَمَ في سُكْرِه، صَحَّ إسلامُه، ثم يُسْأَلُ بعدَ صَحْوِه، فإن ثَبَتَ على إسلامِه، فهو مُسْلِمٌ من حينَ أسْلمَ (٦)؛ لأنَّ إسلامَه صَحِيحٌ، وإن كفرَ، فهو كافرٌ من الآنِ؛ لأنَّ إسْلامَه صَحَّ، وإنَّما يُسْأَلُ اسْتظهارًا، وإن ماتَ بعد إسلامِه في سُكْرِه، مات مُسْلمًا.

فصل: ويَصِحُّ إسلامُ السَّكْرانِ في سُكْرِه؛ سواءٌ كان كافرًا أصْليًّا أو مُرْتدًّا؛ لأنَّه إذا صَحَّتْ رِدَّتُه مع أنَّها مَحْضُ مَضَرَّةٍ، وقولُ باطِلٍ، فلَأَنْ يَصِحَّ إسلامُه، الذي هو قولُ حَقٍّ، ومَحْضُ مَصْلَحَةٍ، أَوْلَى. فإن رَجَعَ عن إسلامِه، وقال: لم أدْرِ ما قلتُ. لم يُلْتَفَتْ إلى مَقالَتِه، وأُجْبِرَ على الإِسلامِ، فإن أسْلَمَ، وإلَّا قُتِلَ. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَصِحَّ إسلامُه، بِناءً على القولِ بأنَّ رِدَّتَه لا تَصِحُّ، فإنَّ من لا تَصِحُّ رِدَّتُه، لا يَصِحُّ إسلامُه، كالطِّفْلِ والمَعْتُوهِ.

فصل: ولا تَصِحُّ رِدَّةُ المجنونِ ولا إسلامُه؛ لأنَّه لا قول له. وإنِ ارْتَدَّ في صِحَّتِهِ، ثم جُنَّ، لم يُقْتَلْ في حالِ جُنُونِه؛ لأنَّه يُقْتَلُ بالإِصْرارِ على الرِّدَّةِ، والمجنونُ لا يُوصَفُ بالإِصْرَارِ، ولا يُمْكِنُ استتابَتُه. ولو وَجَبَ عليه القِصَاصُ فجُنَّ، قُتِلَ؛ لأنَّ القِصاصَ


(٤) في م: "شبهته".
(٥) في م: "يقتله".
(٦) في الأصل، م: "سلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>