للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجيَّةِ؛ لِاسْتِحالةِ الزِّنَى منها بعدَ طَلَاقِه لها، فصار كأنَّه قال لها بعد إبَانَتِها: زَنَيْتِ إذ كُنْتِ زَوْجَتِى. على ما قَرَّرْناه.

الفصل الثالث: أَنَّ كلَّ قَذْفٍ للزَّوْجةِ يَجِبُ به اللِّعَانُ، سَواءٌ قال لها: زَنَيْتِ. أو: رَأيْتُكِ تَزْنِينَ. سَواء كان القاذِفُ أعْمَى أو بَصِيرًا. نَصَّ عليه أحمدُ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأبو عبيدٍ، وأبو ثَوْرٍ. وهو قولُ عَطاءٍ. وقال يَحيى الأنْصارىُّ، وأبو الزِّنادِ، ومالكٌ: لا يكونُ اللِّعانُ إلَّا بأحدِ أمْرَينِ: إمَّا رُؤْيةٍ، وإمَّا إنْكارٍ للحَمْل؛ لأنَّ آيةَ اللِّعانِ نَزَلَتْ فى هِلَالِ بن أُمَيّةَ، وكان قال: رأيتُ بِعَينِى، [وسَمِعْتُ بأْذُنِى] (٦٠). فلا يَثْبُتُ اللِّعانُ إلَّا فى مِثْلِه. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية. وهذا رَامٍ لِزَوْجَتِه، فيَدْخُلُ فى عُمومِ الآية، ولأنَّ اللِّعانَ مَعْنًى يُتَخَلَّصُ به من مُوجَبِ القَذْفِ، فشُرِعَ (٦١) فى حَقِّ كلِّ رامٍ لِزَوْجَتِه، كالبَيِّنةِ. والأخْذُ بعُمُومِ اللفْظِ أوْلَى من خُصُوصِ السَّبَبِ، ثم لم يَعْمَلُوا به فى قَوْلهِ: وسَمِعْتُ بأُذُنِى. وسَواء قَذَفَها بِزِنًى فى القُبُلِ أو فى الدُّبُرِ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَثْبُتُ اللِّعانُ بالقَذْفِ بالوَطْءِ فى الدُّبُرِ. وبَنَاهُ على أصْلِه، فى أَنَّ ذلك لا يَجبُ به الحَدُّ. ولَنا، أنَّه رامٍ لِزَوْجَتِه بوَطءٍ فى فرْجِها، فأشْبَهَ ما لو قَذَفَها بالوَطْءِ فى قُبُلِها. وأما إن قَذَفَها بالوَطْءِ دَونَ الفَرْجِ، أو بشىءٍ من الفَواحِش غيرِ الزِّنَى، فلا حَدَّ عليه، ولا لِعانَ؛ لأنَّه قَذَفَها بما لا يَجِبُ به الحَدُّ، فلم يَثْبُتْ به الحَدُّ واللِّعانُ، كما لو قَذَفَها بضَرْب الناسِ وأذَاهُم (٦٢).

الفصل الرابع: أنَّه إذا قَذَفَ زَوْجَتَه المُحْصَنَةَ، وَجَبَ عليه الحَدُّ، وحُكِمَ بفِسْقِه، ورَدِّ (٦٣) شَهادَتِه، إلَّا أَنَّ يَأْتِىَ بِبَيِّنةٍ أو يُلاعِنَ، فإن لم يَأْتِ بأرْبَعةِ شُهَداءَ، أو امْتَنَعَ من اللِّعانِ، لَزِمَه ذلك كلُّه. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ


(٦٠) فى الأصل، أ: "وشهدت بسمعى".
(٦١) فى أ، ب، م: "فيشرع".
(٦٢) فى أ: "أو أذاهم".
(٦٣) فى أ: "وردت".

<<  <  ج: ص:  >  >>