للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن رَضِيَتْ بالمُقامِ معه مع عُسْرَتِه أو تَرْكِ إنْفاقِه، ثم بَدَا لها الفَسْخُ، أو تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا عالِمةً بحالِه، راضيةً بعُسْرَتِه، وتَرْكِ إنفاقِه، أو شَرَطَ عليها أن لا يُنْفِقَ عليها، ثم عَنَّ لها الفَسْخُ، فلها ذلك. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال القاضي: ظاهرُ كلامِ أحمدَ، ليس لها الفَسْخُ، ويَبْطُلُ خِيارُها في المَوْضِعَيْنِ. وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّها رَضِيَتْ بعَيْبِه، ودَخَلَتْ في العَقْدِ عالمةً به، فلم تَمْلِكِ الفَسْخَ، كما لو تزَوَّجَتْ عِنِّينًا عالمةً بعُنَّتِه، أو قالت بعدَ العَقْدِ: قد رَضِيتُ به عِنِّينًا. ولَنا، أنَّ وُجُوبَ النَّفقةِ يتَجَدَّدُ في كلِّ يومٍ، فيتجَدَّدُ لها الفَسْخُ، ولا يَصِحُّ إسْقاطُ حَقِّها فيما لم يَجِبْ لها، كإسْقاطِ شُفْعَتِها قبلَ البَيْعِ، ولذلك لو أسْقَطَت النَّفقةَ المُسْتَقْبلَةَ لم تَسْقُطْ، ولو أسْقَطَتْها أو أسْقَطَتِ المَهْرَ قبلَ النكاحِ لم يَسْقُطْ، وإذا لم يَسْقُطْ وُجُوبُها، لم يَسْقُطِ الفَسْخُ الثابِتُ به. وإن أعْسَرَ بالمَهْرِ، وقُلْنا: لها الفَسْخُ لإِعْسارِه به. فرَضِيَتْ بالمُقامِ، لم يكُنْ لها الفَسْخُ؛ لأنَّ وُجُوبَه لم يتَجَدَّدْ، بخِلافِ النفقةِ، ولو تَزَوَّجَتْه، عالمةً بإعْسارِه بالمَهْرِ، راضيةً بذلك، فيَنْبغِى أن لا تَمْلِكَ الفَسْخَ بإعْسارِه به؛ لأنَّها (٣٠) رَضِيَتْ بذلك في وقتٍ لو أسْقَطَتْه فيه سَقَطَ.

فصل: إذا رَضِيَتْ بالمُقامِ مع ذلك، لم يَلْزَمْها التَّمْكِينُ من الاسْتِمتاعِ؛ لأنَّه لم يُسَلِّمْ إليها (٣١) عِوَضَه، فلم يَلْزَمْها تَسْلِيمُه، كما لو أعْسَرَ المُشْتَرِى بثَمَنِ المَبِيعِ، لم يجبْ تَسْلِيمُه إليه، وعليه تَخْلِيةُ سَبِيلِها، لتَكْتَسِبَ لها، وتُحَصِّلَ ما تُنْفِقُه على نَفْسِها؛ لأنَّ في حَبْسِها بغيرِ نَفَقةٍ إضْرارًا بها. ولو كانتْ مُوسِرَةً، لم يكُنْ له حَبْسُها؛ لأنَّه إنَّما يَمْلِكُ حَبْسهَا إذا كَفَاها (٣٢) المُؤْنةَ، وأغْناها عَمَّا لا بُدَّ لها منه، ولحاجَتِه إلى الاسْتِمتاعِ الواجبِ عليها، فإذا انْتَفَى الأمْرانِ، لم يَمْلِكْ حَبْسَها.

فصل: ومَنْ تَرَكَ الإِنْفاقَ الواجبَ لامْرأةٍ (٣٣) مُدَّةً، لم يَسْقُطْ بذلك، وكانتْ (٣٤) دَيْنًا


(٣٠) في الأصل: "لأنه".
(٣١) سقط من: ب.
(٣٢) في أ: "أكفاها".
(٣٣) في أ، م: "لامرأته".
(٣٤) في أ، م: "وكان".

<<  <  ج: ص:  >  >>