للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحْكُمَ عليه مع تَعْديلِه، أو مع انْتِفائِه، لا يجوزُ أن يُقال مع تَعْديلِه؛ [لأنَّ التَّعْديلَ لا يَثْبُثُ بقولِ الواحدِ، ولا يجوزُ مع انْتفاءِ تَعْديلِه] (٢٤)؛ لأنَّ الحكْمَ بشَهادةِ غيرِ العَدْلِ غيرُ جائزٍ، بدليلِ شَهادةِ مَن ظَهَرَ فِسْقُه. ومذهبُ الشَّافعىِّ مثلُ هذا، فإن قُلْنا بالأوَّل، فلا يَثْبُتُ تَعْدِيلُه فى حقِّ غيرِ المشْهودِ عليه؛ لأنَّه لم تُوجَدْ بَيِّنَةُ التَّعْديلِ، وإنَّما حُكِمَ عليه لإقرارِه بوُجودِ شَرْطِ (٢٥) الحُكْمِ، وإقرارُه يَثْبُتُ فى حقِّه دُونَ غيرِه، كما لو أقرَّ بحقٍّ عليه وعلى غيرِه، ثَبَتَ فى حَقِّه دُونَ غيرِه.

١٨٧٠ - مسألة؛ قال: (وَإنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ، وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ، فالْجَرْحَةُ (١) أوْلَى)

وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ. وقال مالكٌ: يُنْظَرُ أيُّهما أعْدَلُ؟ اللَّذان جَرَّحاه، أو اللَّذان عَدَّلاه؟ فيُؤْخَذُ بقولِ أعْدَلِهما. ولَنا، أنَّ الجارحَ معه زيادةُ عِلْمٍ خَفِيَتْ على المُعدِّلِ، فوجبَ تَقْدِيمُه؛ لأنَّ التَّعْديلَ يتضمَّنُ تَرْكَ الرِّيَبِ والْمَحارمِ، والجارِحُ مُثْبتٌ لوُجودِ ذلك، والإثْباتُ مُقدَّمٌ على النَّفْى، ولأنَّ الجارِحَ يقول: رأيتُه يفْعَلُ كذا. والمُعَدِّلُ مُسْتنَدُه أنَّه لم يرَه يفْعَلُ، ويُمْكِنُ صِدْقُهما، والجمعُ بين قولَيْهما بأنْ يَراهُ الجارحُ يفْعَلُ المَعْصِيَةَ، ولا يَراهُ المُعدِّلُ، فيكونُ مَجْروحًا.

فصل: ولا يُقْبَلُ الجَرْحُ والتَّعديلُ إلَّا مِن اثْنينِ. وبهذا قال مالكٌ، والشَّافعىُّ، ومحمدُ ابنُ الحسنِ، وابنُ المُنْذِرِ. ورُوىَ عن أحمدَ: يُقْبَلُ ذلك من واحدٍ. وهو اختيارُ أبى بكرٍ، وقولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه خَبَرٌ لا يُعْتبرُ فيه لفظُ الشَّهادةِ، فقُبِلَ مِن واحدٍ، كالرِّوايةِ. ولَنا، أنَّه إثْباتُ صِفَةِ مَن يَبْنِى الحاكمُ حُكْمَه على صِفَتِه، فاعْتُبِرَ فيه العَدَدُ، كالحَضانَةِ، وفارَق الرِّوايةَ؛ فإنَّها على المُساهَلَةِ، ولا نُسلِّمُ أنَّها لا تَفتقِرُ إلى لفظِ الشهادةِ، ويُعْتَبَرُ فى التَّعْديلِ والجَرْحِ لفظُ الشَّهادةِ، فيقولُ فى التَّعْديلِ: أشْهَدُ أنَّه عَدْلٌ. ويَكْفِى هذا. وإن لم يقُلْ: علىَّ ولِى. وهذا قولُ أكثرِ أهل العلمِ، وبه يقول شُرَيْحٌ، وأهلُ العراقِ، ومالكٌ، وبعضُ


(٢٤) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(٢٥) فى م: "شروط".
(١) فى م: "فالجراحة".

<<  <  ج: ص:  >  >>