للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: قولُه: "سِتًّا أوْ سَبْعًا" الظَّاهِرُ أنَّهُ رَدَّهَا إلى اجْتِهَادِها (١٥) ورَأْيها، فيما يَغْلِبُ على ظَنِّها أنَّه أقْرَبُ إلى عادَتِها أو عادَةِ نِسَائِها، أو ما يكونُ أشْبَهَ بكَوْنِه حَيْضًا. ذَكَرَهُ القاضي في بعضِ المَوَاضِعِ، وذَكَرَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّه خَيَّرهَا بَيْنَ سِتٍّ وسَبْعٍ، لا على طَرِيقِ الاجْتِهَادِ، كما خَيَّرَ وَاطِىءَ الحائِضِ بينَ التَّكْفِيرِ بِدِينَارٍ أوْ نِصْفِ دِينَارٍ، بدَلِيلِ أنَّ حَرْفَ "أو" لِلتَّخْيِيرِ. والأوَّلُ إنْ شاء اللهُ أصَّحُّ؛ لأنَّا لو جَعَلْنَاها مُخَيَّرَةً أفْضَى إلى تَخْيِيرِها في اليومِ السَّابِع بينَ أنْ تكونَ الصَّلَاةُ عليها وَاجِبَةً وبينَ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً، وليس إليها (١٦) فِي ذَلِكَ خِيَرَةٌ بحالٍ. أَمَّا التَّكْفِيرُ فَفِعْلٌ اخْتِيَارِىٌّ، يُمْكِنُ التَّخْييرُ فيه بينَ إخْرَاجِ دِينَارٍ أو نِصْفِ دِينَارٍ، والوَاجِبُ نصفُ دينارٍ في الحَالَيْن؛ لأنَّ الوَاجِبَ لا يتَخَيَّرُ بينَ فِعْلِه وتَرْكِه. وقَوْلُهُم: إنَّ "أْو" لِلتَّخْيِيرِ. قُلْنا: وقد يكونُ لِلاجْتِهَاد، كقولِ اللَّه تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (١٧). و"إمَّا" كـ "أو" في وَضْعِها، وليس لِلإِمامِ في الأسْرَى إلَّا فِعْلُ ما يُؤَدِّيه إليه اجْتِهادُه أنَّه الأصْلَحُ.

فصل: ولا تَخْلُو النَّاسِيَةُ مِن أنْ تكونَ جاهِلَةً بِشهرِها، أو عَالِمَةً به، فإنْ كانتْ جاهِلَةً بِشهرِها، رَدَدْنَاها إلى الشهر الهِلَالِىِّ، فحَيَّضْنَاها في كُلِّ شهرٍ حَيْضَة؛ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ، ولأنَّه الغَالبُ، فتُرَدُّ إليه، كرَدِّها إلى السِّتِّ والسَّبْعِ. وإنْ كانتْ عَالِمةً بشهرِها، حَيَّضَنَاهَا في كُلِّ شهرٍ مِن شُهُورِها حَيْضَةً؛ لأنَّ ذلك عادَتُها، فتُرَدُّ إليها، كما تُرَدُّ المُعْتَادَةُ إلى عادَتِها في عَدَدِ الأيَّامِ، إلَّا أنَّها متى كانَ شهرُها أقَلَّ مِنْ عشرِينَ يومًا، لم نُحَيِّضْها منه أكْثَرَ مِن الفَاضِلِ عن ثلاثةَ عشرَ يومًا، أو خمسةَ عشرَ يومًا؛ لأنَّها لو حَاضَتْ أكْثَرَ مِن ذلك، لَنَقَصَ طُهْرُها عن أقَلِّ الطُّهْرِ، ولا سَبِيلَ إليه. وهل تَجْلِسُ أيَّامَ حَيْضِها مِنْ أوَّلِ كُلِّ شهرٍ، أو بالتَّحَرِّى والاجْتِهَادِ؟ فيه وَجْهان: أحدُهما، تَجْلِسُه مِنْ أوَّلِ كُلِّ شهرٍ إذا كان يَحْتَمِلُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١٥) في م: "ورأيه".
(١٦) في م: "لها".
(١٧) سورة محمد ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>