للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: الشَّرْطُ الرَّابع، أن لا يكونَ تَعَلَّقَ بها حَقُّ الغَيْرِ. فإن رَهَنَها المُشْتَرِى، ثم أفلَسَ أو وَهَبَها (٢٥)، لم يَمْلِكِ البائِعُ الرُّجُوعَ، كما لو بَاعَها أو أعْتَقَها، ولأنَّ فى الرُّجُوعِ إضْرَارًا بِالمُرْتَهِنِ، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، ولأنَّ النَّبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ" (٢٦). وهذا لم يَجِدْهُ عند المُفْلِسِ. ولا نَعْلَمُ فى هذا خِلَافًا. فإن كان دَيْنُ المُرْتَهِنِ دونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، بِيعَ كلُّه، فقُضِىَ منه دَيْنُ المُرْتَهِنِ، والباقِى يُرَدُّ على سائِرِ مالِ المُفْلِسِ، ويَشْتَرِكُ الغُرَمَاءُ فيه، وإن بِيعَ بعضُه، فبَاقِيه بينهم يُبَاعُ لهم أيضًا، ولا يَرْجِعُ به البائِعُ. قال القاضى: له الرُّجُوعُ به. وهو مذهب الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه عَيْنُ مَالِه، لم يَتَعَلَّقْ به حَقُّ غيره. ولَنا، أنَّه لم يَجِدْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِه، فلم يكُنْ له أخْذُه، كما لو كان الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا له. وما ذَكَرَهُ القاضى لا يُخَرَّجُ على المَذْهَبِ؛ لأنَّ تَلَفَ بعضِ المَبِيعِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فكذلك ذَهَابُ بَعْضِه بالبَيْعِ. ولو رَهَنَ بعضَ العَبْدِ لم يكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فى بَاقِيه؛ لما ذَكَرْنَا. وإن كان المَبِيعُ عَيْنَيْنِ، فرَهَنَ إحْدَاهُما، فهل يَمْلِكُ البائِعُ الرُّجُوعَ فى الأُخْرَى؟ على وَجْهَيْنِ، بنَاءً على الرِّوَايَتَيْنِ فيما إذا تَلِفَتْ إحْدَى العَيْنَيْنِ. وإن فَكَّ الرَّهْنَ قبلَ فَلَسِ المُشْتَرِى، أو أَبْرَأَ من دَيْنِه، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ لأنَّه أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِه عندَ المُشْتَرِى. وإن أفْلَسَ وهو رَهْنٌ، فأَبْرَأ المُرْتَهِنُ المُشْتَرِى من دَيْنِه، أو قَضَى الدَّيْنَ من غيرِه، فلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ أيضا كذلك.

فصل: وإن كان عَبْدًا، فأَفْلَسَ المُشْتَرِى بعدَ تَعَلُّقِ أرْشِ الجِنَايَةِ بِرَقَبَتِه، ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، ليس لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ لأنَّ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ به يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وأَرْشُ الجِنَايَةِ يُقَدَّمُ على حَقِّ المُرْتَهِنِ، فأَوْلَى أن لا يَرْجِعَ. ذَكَرَهُ أبو الخَطَّابِ. والثانى، لا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فيه؛ لأنَّه حَقٌّ لا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ المُشْتَرِى فيه (٢٧)، فلم يَمْنَعْ


(٢٥) فى م: "وبها" خطأ.
(٢٦) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٣٩.
(٢٧) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>