للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمَدِينَةِ؟ قَدِمَها مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ وهم مُخْتَبِئُونَ (٢) في دارٍ، فجَمَّعَ بهم وهم أرْبَعُونَ.

فصل: فأمَّا مع عَدمِ الحاجةِ فلا يجوزُ [أكثرُ من واحِدةٍ] (٣)، وإن حَصلَ الغِنَى باثْنتَيْن (٤) لم تَجُزِ الثالثةُ، وكذلك ما زادَ، لا نَعْلَمُ في هذا مُخَالِفًا، إلَّا أن عَطاءً قِيلَ له: إن أهْلَ البَصْرةِ لا يَسَعُهُم المَسْجِدُ الأكبرُ. قال: لِكُلِّ قَوْمٍ مَسْجِدٌ يُجَمِّعُونَ فيه، ويُجْزِئُ ذلك من التَّجْمِيعِ في المَسْجِدِ الأكبرِ. وما عليه الجُمْهُورُ أوْلَى، إذْ لم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وخُلَفَائِه أنَّهم جَمَّعُوا أكثرَ من جُمُعَةٍ، إذْ لم تَدْعُ الحاجةُ إلى ذلك، ولا يجوزُ إثْباتُ الأحْكامِ بالتَّحَكُّمِ بغير دَلِيلٍ، فإن صَلَّوْا جُمُعَتَيْنِ في مِصْرٍ واحِدٍ من غير حاجَةٍ، وإحْدَاهُما جُمُعَةُ الإِمامِ، فهى صَحِيحَةٌ تَقَدَّمَتْ أو تَأَخَّرَتْ، والأُخْرَى باطِلَةٌ؛ لأنَّ في الحُكْمِ بِبُطْلَانِ جُمُعَةِ الإِمامِ افْتِيَاتًا عليه، وتَفْوِيتًا له الجُمُعَةَ ولمن يُصَلِّى معه، ويُفْضِى إلى أنَّه متى شاءَ أرْبَعُونَ أن يُفْسِدُوا (٥) صَلَاةَ أهْلِ البَلَدِ أمْكَنَهُم ذلك، بأن يَجْتَمِعُوا في مَوْضِعٍ، ويَسْبِقُوا أهْلَ البَلَدِ بِصلاةِ الجُمُعَةِ. وقيل: السَّابِقَةُ هي الصَّحِيحَةُ؛ لأنها لم يَتَقَدَّمْها ما يُفْسِدُها، ولا تَفْسُدُ بعدَ صِحَّتِها بما بعدَها. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لما ذَكَرْنا. وإن كانت إحْداهُما في المَسْجِدِ الجامِعِ، والأُخْرَى في مكانٍ صَغِيرٍ لا يَسَعُ المُصَلِّينَ، أو لا يُمْكِنُهم الصلاةُ فيه؛ لاخْتِصَاصِ السُّلْطَانِ وجُنْدِه به، أو غيرِ ذلك، أو كان أحدُهما في قَصَبَةِ البَلَدِ، والآخَرُ في أقْصَى المَدِينَةِ، كان مَن وُجِدَتْ فيه هذه المعانى صلاتُهم صَحِيحَةٌ دُونَ الأُخْرَى. وهذا قولُ مالِكٍ؛ فإنَّه قال: لا أرَى


(٢) في الأصل: "مخبيون".
(٣) في م: "في أكثر من واحد".
(٤) في أ، م: "باثنين".
(٥) في م: "يقصدوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>