للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ حَظَّ الطِّفْلِ عنده أكثَرُ من الجِهَةِ التي يَحْصُلُ له الحَظُّ فيها باليَسَارِ، ورُبَّما تَخَلَّقَ بأخْلَاقِه، وتَعَلَّمَ من جُودِه الرابع، أن يَتَسَاوَيا في كونِهما مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ مُقِيمَيْنِ، فهما سواءٌ فيه، فإن رَضِىَ أحَدُهما بإسْقاطِ حَقِّه، وتَسْلِيمِه إلى صاحِبِه، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ له، فلا يُمْنَعُ من الإِيثَارِ به. وإن تَشَاحَّا، أُقْرِعَ بينهما؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (١٩). ولأنَّه لا يُمْكِنُ كونُه عندَهما؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ أن يكونَ عِنْدَهُما في حالةٍ واحِدَةٍ. وإن تَهَايآه، فجُعِلَ عند كل واحدٍ يَوْمًا أو أكثَرَ من ذلك، أضَرَّ بالطِّفلِ؛ لأنَّه تَخْتَلِفُ عليه الأَغْذِيَةُ والأُنْسُ والإِلْفُ، ولا يُمْكِنُ دَفْعُه إلى أحَدِهِما دون الآخَر بغيرِ قُرْعَةٍ؛ لأنَّ حَقَّهُما مُتَساوٍ، فتَعْيِينُ أحَدِهِما بالتَّحَكُّمِ لا يجوزُ، فتَعَيَّنَ الإِقْراعُ بينهما، كما يُقْرَعُ بين الشُّرَكاءِ في تَعْيِينِ السِّهَامِ في القِسْمةِ، وبين النِّسَاءِ في البِدَايةِ بالقِسْمةِ، وبين العَبِيدِ في الإِعْتاقِ. والرَّجُلُ والمَرْأَةُ سواءٌ، ولا تُرَجَّحُ المَرْأَةُ ههُنا، كما تُرَجَّحُ في حَضَانةِ وَلَدِها على أبِيه؛ لأنَّها رُجِّحَتْ لِشَفَقَتِها على وَلَدِها، وتَوَلِّيها لِحَضَانَتِه بنَفْسِها، والأبُ يَحْضُنُه بأَجْنَبِيّةٍ، فكانت [الأُمُّ أوْلَى وأحَظَّ] (٢٠) له وأرْفَقَ به، أمَّا ههُنا، فإنَّها أجْنَبِيّةٌ من اللَّقِيطِ، والرَّجُلُ يَحْضُنُه بأَجْنَبِيّةٍ فاسْتَوَيا. ومذهبُ الشافِعِيِّ في هذا الفَصْلِ جَمِيعِه على ما ذَكَرْناه. فإن كان أحَدُهُما مَسْتُورَ الحالِ، والآخَرُ ظاهِرَ العَدَالةِ، احْتَمَلَ أن يُرَجَّحَ العَدْلُ؛ لأنَّ المانِعَ من الالْتِقاطِ مُنْتَفٍ في حَقِّه بغير شَكٍّ، والأمْرُ مَشْكُوكٌ فيه، فيكونُ الحَظُّ لِلطِّفْلِ في تَسْلِيمِه إليه أتَمَّ. ويَحْتَمِلُ أن يَتَساوَيا؛ لأنَّ احْتِمالَ وُجُودِ المانِعِ لا يُؤَثِّرُ في المَنْعِ، فلا يُؤَثّرُ التَّرْجِيحُ.

فصل: وإن رَأَيَاهُ جَمِيعًا، فسَبَقَ أحَدُهُما فأخَذَه، أو وَضَعَ يَدَهُ عليه، فهو أحَقُّ به؛ لقولِه عليه السلامُ: "مَنْ سَبَقَ إلَى ما لَم يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ [أحَقُّ بِهِ] (٢١) ". وإن رَآه أحَدُهُما قبل صاحِبِه، فسَبَقَ إلى أخْذِه الآخَرُ، فالسَّابِقُ إلى أخْذِه


(١٩) سورة آل عمران ٤٤.
(٢٠) في م: "أمه أحظ"
(٢١) في الأصل: "له". وتقدم تخريجه في صفحة ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>