للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أهْلِ اليَمَنِ الصَّدَقَةُ. ثم أَتَاهُ مالٌ آخَرُ، فجَعَلَهُ في صِنْفٍ آخَرَ؛ لِقَوْلِه لِقبِيصَةَ بن المُخَارِقِ حين تَحَمَّلَ حَمَالَةً (٨)، فأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُه، فقال: "أقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِها" (٩). وفي حَدِيثِ سَلَمَةَ بن صَخْرٍ الْبَياضِيِّ، أنَّه أمَرَ له بِصَدَقَةِ قَوْمِه (١٠). ولو وَجَبَ صَرْفُها إلى جَمِيعِ الأصْنافِ لم يَجُزْ دَفْعُها إلى وَاحِدٍ، ولأنَّها لا يَجِبُ صَرْفُها إلى جَمِيعِ الأصْنافِ إذا أخَذَها السَّاعِي، فلم يَجِبْ دَفْعُها إليهم إذا فَرَّقَهَا المالِكُ، كما لو لم يَجِدْ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا، ولأنَّه لا يَجِبُ عليه تَعْمِيمُ أهْلِ كُلِّ صِنْفٍ بها، فجازَ الاقتِصَارُ على وَاحِدٍ، كما لو وَصَّى لِجَمَاعَةٍ لا يُمْكِنُ حَصْرُهم، ويُخَرَّجُ على هذَيْنِ المَعْنَيَيْنِ الخُمْسُ، فإنَّه يَجِبُ على الإمامِ تَفْرِيقُهُ على جَمِيعِ مُسْتَحِقِّيهِ، واسْتِيعَابُ جَمِيعِهم به بِخِلافِ الزَّكاةِ، والآيةُ أُرِيدَ بها بَيانُ الأصْنَافِ الذين يجوزُ الدَّفْعُ إليهم، دُونَ غَيْرِهم. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ المُسْتَحَبَّ صَرْفُها إلى جَمِيعِ الأصْنافِ، أو إلى مَن أَمْكَنَ منهم؛ لأنَّه يَخْرُجُ بذلك عن الخِلافِ، ويَحْصُلُ الإجْزاءُ يَقينًا، فكان أوْلَى.

فصل: قَوْلُ الخِرَقِيِّ: "إذا لم يُخْرِجْهُ إلى الغِنَى". يَعْنِي به الغِنَى المَانِعَ من أخْذِ الزَّكاةِ، وقد ذَكَرْنَاهُ. وظَاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ أنَّه لا يَدْفَعُ إليه ما يَحْصُلُ به الغِنَى، والمذهبُ أنَّه يجوزُ أن يَدْفَعَ إليه ما يُغْنِيهِ مِن غيرِ زِيَادَةٍ. نَصَّ عليه أحمدُ في مَواضِعَ. وذَكَرَهُ أصْحابُه، فيتَعَيَّنُ (١١) حَمْلُ كلامِ الخِرَقِيِّ على أنَّه لا يَدْفَعُ إليه زِيَادَةً على ما يَحْصُلُ به الغِنَى. وهذا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، ومَالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وأبي ثَوْرٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْيِ: يُعْطَى ألفا وأكْثَرَ إذا كان مُحْتَاجًا إليها، ويُكْرَهُ أن يزَادَ على


(٨) الحمالة: المال الذي يتحمله الإنسان، أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين.
(٩) تقدم تخريجه في صفحة ١١٩.
(١٠) أخرجه أبو داود، في: باب في الظهار، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود ١/ ٥١٣. والترمذي، في: باب ما جاء في كفارة الظهار، من أبواب الطلاق، وفي: سورة المجادلة، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي ٥/ ١٧٨، ١٧٩، ١٢/ ١٨٥، ١٨٦. وابن ماجه، في: باب الظهار، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦٥. وأخرجه مختصرا الإمام أحمد، في: المسند ٥/ ٤٣٦.
(١١) في م: "فتعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>