للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ تَيَمَّمَ بأكْثَرَ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ جاز أيضًا؛ لأنَّ المَقْصُودَ إِيصَالُ التُّرَابِ إلى مَحَلِّ الفَرْضِ، فَكَيْفَما حصل جاز، كالوُضُوءِ.

فصل: فإنْ وَصَلَ التُّرابُ إلى وَجْهِهِ ويَدَيْهِ بِغيِر ضَرْبٍ، نَحْو أنْ يَنْسِفَ الرِّيحُ عليه غُبَارًا يَعُمُّه، فإنْ كان قَصَدَ ذلك، وأحْضَرَ النِّيَّةَ، احْتَمَلَ أن يُجْزِئَهُ، كَما لَوْ صَمَدَ لِلْمَطرَ حتى جَرَى على أعْضَائِهِ. والصَّحِيحُ أَنَّه لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه لم يَمْسَحْ به، وقد أمرَ اللهُ تعالى بالمَسْحِ به. فإنْ مَسَحَ وَجْهَهُ بما على وَجْهِهِ، احْتَمَلَ أنْ يُجْزِئَهُ؛ لأنَّه مَسَحَ بالتُّرَاب، واحْتَمَلَ أنْ لا يُجْزِئَهُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بِقَصْدِ الصَّعِيدِ والمَسْحِ به، ولم يَأْخُذ الصَّعِيدَ. وإنْ لم يكنْ قَصَدَ الرِّيحَ، ولا صَمَدَ لها، فأَخَذَ غَيْرَ ما على وَجْهِهِ، فمَسَحَ به وَجْهَهُ، جازَ. وإنْ أمَرَّ مَا على وَجْهِهِ منه على وَجْهِهِ، لم يُجْزِهِ؛ لأنَّه لم يَأْخُذ التُّرابَ لِوَجْهِهِ.

فصل: إذا عَلَا على يَدَيْهِ تُرَابٌ كَثِيرٌ، لم يُكْرَهْ نَفْخُهُ؛ فإنَّ فِي حَدِيثِ عَمَّار، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضَرَبَ بكَفَّيْهِ الأرْضَ، ونَفَخَ فِيهما. قال أحمدُ: لا يَضُرُّهُ فَعَلَ أو لم يَفْعَلْ. وإنْ كان خَفِيفًا، فقال أصْحابُنا: يُكْرَهُ نَفْخُهُ، رِوَايةً وَاحِدَةً. فإنْ ذَهَبَ ما عليها بالنَّفْخِ، لم يُجْزِهِ حَتَّى يُعِيدَ الضَّرْبَ؛ لأنَّه مَأْمُورٌ بِالمَسْحِ بِشَىْءٍ مِن الصَّعِيدِ.

٦٨ - مسألة؛ قال: (ويَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، وهُوَ التُّرَابُ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّه لا يَجُوزُ التَّيَّمُمُ إلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ ذِى غُبَارٍ يَعْلَقُ باليَدِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}. قال ابنُ عَبَّاس: الصَّعِيدُ تُرَابُ الحَرْثِ. وقِيل في قَوْلِه تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (١) تُرَابًا أَمْلَسَ. والطَّيِّبُ: الطَّاهِرُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وإسْحَاق، وأبو يوسف، وداود. وقال مالِك، وأبو حَنِيفة: يَجُوزُ بِكُلِّ (٢) ما كان مِنْ جِنْسِ الأَرْضِ؛ كالنُّورَةِ والزِّرْنِيخِ (٣) والحِجَارَةِ. وقال الأوْزَاعِىُّ: الرَّمْلُ مِن الصَّعِيدِ. وقال حَمَّادُ


(١) سورة الكهف ٤٠.
(٢) في م زيادة: "حال".
(٣) الزرنيخ: حجر، منه ألوان عدة، يستعمله النقاشون والصيادلة. انظر: الجامع لمفردات الأدوية ٢/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>