للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجبُ قَتْلُها حتى يَثْبُتَ هذا العملُ بها بِبَيِّنَةٍ، فأمَّا إن أقرَّ الفاعِلُ، فإن كانتِ البهيمةُ له، ثَبَتَ بإقْرارِه، وإن كانَتْ لغيرِه، لم يَجُزْ قَتْلُها بقَوْلِه؛ لأنَّه إقرارٌ على مِلْكِ غيرِه، فلم يُقْبَلْ، كما لو أقرَّ بها لغيرِ مالِكِها. وهل يثبتُ هذا بشاهِدَيْن عَدْلَيْنِ، وإقْرارٍ مَرَّتَين (٨)، أو يُعْتَبَرُ فيه ما يُعْتَبَرُ في الزِّنَى؟ على وَجْهَيْن، نذكرُهما في مَوْضِعِهما، إن شاء اللَّه تعالى.

١٥٥٨ - مسألة؛ قال: (والَّذِى يَجِبُ عَلَيْهِ الحَدُّ، مِمَّنْ ذَكَرْتُ، مَنْ أقَرَّ بالزِّنِى أرْبَعَ مَرَّاتٍ)

وجملتُه أنَّ الحَدَّ لا يجبُ إلَّا بأحدِ شَيْئَيْنِ؛ إقرارٍ، أو بَيِّنَةٍ. فإن ثَبَتَ بإقْرارٍ اعتُبِرَ إقْرارُ أرْبَعِ مَرَّاتٍ. وبهذا قال الحكمُ، وابنُ أبي ليلى، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال الحسنُ، وحَمَّادٌ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: يُحَدُّ بإقْرارِ مَرَّةٍ؛ لقولِ النَّبِىّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امْرأَةِ هذَا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ، فارْجُمْهَا" (١). واعترافُ مرَّةٍ اعْترافٌ، وقد أَوْجَبَ عليها الرَّجْمَ به. ورَجَمَ الجُهَنِيَّةَ، وإنَّما اعْترفَتْ مَرَّةً (٢). وقال عمرُ: إنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ واجبٌ على مَن زَنَى وقد أُحْصِن، إذا قامتِ الْبَيِّنَةُ، أو كانَ الحَبَلُ، أو الاعْترافُ (٣). ولأنَّه حَقٌّ، فَيَثْبُتُ باعْترافِ مَرَّةٍ، كسائرِ الحقوقِ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرةَ، قال: أتى رَجُلٌ من الأسْلَمِيِّين رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في المسجدِ، فقال: يا رسولَ اللَّه، إنِّي زَنَيْتُ. فأعْرَضَ عنه، فتنَحَّى تِلْقاءَ وَجْهِه، فقال: يا رسولَ اللَّه، إنِّي زَنَيْتُ. فأعْرَضَ عنه، حتى ثَنَى ذلك أرْبَعَ مَرَّاتٍ، فلَمَّا شَهِدَ على نفسِه أرْبَعَ شَهاداتٍ، دَعاهُ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ ". قال: لا. قال: "فَهَلْ


(٨) في الأصل: "مرة".
(١) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١٣.
(٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١١.
(٣) تقدم تخريجه، في: ١١/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>