للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِيفَاءَ في مَكَانِه. وقال القاضِى، وأبو الخَطَّابِ: متى ذَكَرَ مَكانَ الإِيفَاءِ، ففيه رِوَايَتانِ، سَوَاء شَرَطَهُ في مَكَانِ العَقْدِ أو في غيره؛ لأنَّ فيه غَرَرًا، لأنَّه ربَّما تَعَذَّرَ تَسْلِيمُه في ذلك المَكَانِ، فأشْبَهَ تَعْيِينَ المِكْيَالِ. واخْتارَهُ أبو بكرٍ. وهذا لا يَصِحُّ؛ فإنَّ في تَعْيِينِ المَكَانِ غَرَضًا ومَصْلَحَةً لهما، فأَشْبَهَ تَعْيِينَ الزَّمَانِ. وما ذَكَرُوهُ من احْتِمالِ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ فيه يَبْطُلُ بِتَعْيِينِ الزَّمَانِ، ثم لا يَخْلُو إمَّا أن يكونَ مُقْتَضَى العَقْدِ التَّسْلِيمَ في مَكَانِه، فإذا شَرَطَهُ فقد شَرَطَ مُقْتَضَى العَقْدِ، أو لا يكونَ ذلك مُقْتَضَى العَقْدِ، فيَتَعَيَّنَ ذِكْرُ مَكَانِ الإِيفَاءِ، نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ عنه، وقَطْعًا للتَّنَازُعِ، فالغَرَرُ في تَرْكِه لا في ذِكْرِه. وفَارَقَ تَعْيِينَ المِكْيَالِ، فإنَّه لا حَاجَةَ إليه، ويَفُوتُ به عِلْمُ المِقْدَارِ المُشْتَرَطِ لِصِحَّةِ العَقْدِ، ويُفْضِى إلى التَّنَازُعِ، وفي مَسْأَلَتِنَا لا يَفُوتُ به شَرْطٌ، ويَقْطَعُ التَّنَازُعَ، والمَعْنَى (١٣) المانِعُ من التَّقْدِيرِ بمِكْيَالٍ بِعَيْنِه مَجْهُولٍ هو المُقْتَضِى لِشَرْطِ مَكَانِ الإِيفَاءِ، فكَيْفَ يَصِحُّ قِياسُهُم عليه.

٧٧٩ - مسألة؛ قال: (وبَيْعُ المُسْلَمِ فِيهِ مِنْ بَائِعِه، أوْ مِنْ غَيْرِه، قَبْلَ قَبْضِهِ، فَاسِدٌ. وكَذلِكَ الشَّرِكَةُ فِيهِ، والتَّوْلِيَةُ، والْحَوَالَةُ بِهِ، طَعَامًا كَانَ أوْ غَيْرَهُ)

أمَّا بَيْعُ المُسْلَمِ فيه قبلَ قَبْضِه، فلا نَعْلَمُ في تَحْرِيمِه خِلَافًا، وقد نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعِ الطَّعَامِ قبل قَبْضِه، وعن رِبْحِ ما لم يُضْمَنْ (١). ولأنَّه مَبِيعٌ لم يَدْخُلْ في ضَمَانِه، فلم يَجُزْ بَيْعُه، كالطَّعَامِ قبلَ قَبْضِه. وأمَّا الشَّرِكَةُ فيه والتَّوْلِيَةُ، فلا تجوزُ أيضًا؛ لأنَّهما بَيْعٌ على ما ذَكَرْنَا من قبلُ. وبهذا قال أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ. وحُكِىَ عن مَالِكٍ جَوازُ الشَّرِكَةِ والتَّوْلِيَةِ؛ لما رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه نَهَى عن بَيْعِ الطَّعَامِ قبلَ قَبْضِه، وأَرْخَصَ في الشَّرِكَةِ والتَّوْلِيَةِ (٢). ولَنا، أنَّها مُعَاوَضَةٌ في المُسْلَمِ فيه


(١٣) في النسخ: "المعنى".
(١) تقدم تخريجه في صفحة ١٨٢، ٣٣٤.
(٢) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب التولية في البيع والإقالة، من كتاب البيوع. المصنف ٨/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>